الديون السيادية وطريق التعافي الاقتصادي

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

تقترن الظروف الاقتصادية الحالية في عالمنا، ببروز قضية الديون السيادية، ذلك في ظل إفرازات الجائحة، إذ تؤثر على مسارات التعافي الاقتصادي النوعي في عالمنا، وربما أن أجدى الحلول المبدئية والسريعة بكون بتبادل المعلومات التفصيلية بين المدينين السياديين ودائنيهم، مع إتاحة المعلومات المجمعة لعامة الناس. على القدر ذاته من الأهمية، يتعين على الأنظمة القانونية المحلية في البلدان النامية أن تتبنى معايير شفافية الديون، وتحتاج البلدان الدائنة إلى قواعد أقوى تحد من إمكان إنفاذ عقود الديون في الحالات إذ تتوافر هذه المعايير.

بالإضافة إلى هذا، من الأهمية بمكان التمسك بمبدأ المعاملة المماثلة للدائنين في إعادة تصنيف الديون وإعادة هيكلتها. ويجب أن تلتزم جميع الأطراف المشاركة في هذه العمليات ــ باستثناء الدائنين المفضلين المعترف بهم ــ التمسك بهذا المبدأ، وينبغي للمؤسسات المالية الدولية أن تستخدم الوسائل المتاحة لها لضمان التزام المدينين السياديين وكل الدائنين به.

ومن الممكن أن تعرض الهيئات التنظيمية المالية في البلدان الدائنة حوافز تنظيمية محلية على المؤسسات المالية الوطنية (حاملي السندات بشكل خاص) للمشاركة في هذه العمليات، ويجب على وكالات التصنيف الائتماني أن تضع في الحسبان توقعات المدينين السياديين بعد إعادة الهيكلة. ويجب أن تنظر بنوك التنمية متعددة الأطراف والدائنين الرسميين في تزويد الدائنين من القطاع الخاص تعزيزات ائتمانية في سياق إعادة الهيكلة، حينما يخدم القيام بذلك المصلحة العامة.

ينبغي للسلطات القضائية التي تحكم عقود الديون السيادية أن تنظر في إدخال تدابير لمنع إساءة استخدام نظامها القانوني من قِـبَـل الدائنين الساعين إلى الحصول على استرداد تفضيلي ضد جهات سيادية بدلاً من المشاركة في عمليات إعادة الهيكلة بحسن نية استناداً إلى مبدأ المعاملة المماثلة. من الممكن أن يساعد هذا على منع تكرار مشكلات خطيرة من النوع الذي واجهته الأرجنتين في محاكم نيويورك قبل بضع سنوات.

بات من الواضح أن جائحة مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد 19) ستخلف عواقب معقدة، ومنها ارتفاع مستويات ديون القطاع العام في أغلب البلدان. ويعكس هذا زيادة الإنفاق من جانب الحكومات في التصدي لهذه الأزمة، فضلاً عن انهيار الإيرادات الضريبية مع انهيار الاقتصادات في عام 2020. نتيجة لهذا، أصبحت عدة بلدان منخفضة ومتوسطة الدخل عُـرضة لخطر الوقوع تحت وطأة أزمة ديون سيادية.

على الرغم من أن العديد من البلدان المتقدمة مثقلة بالديون، فإن أسعار الفائدة المستحقة على ديونها منخفضة إلى مستويات غير مسبوقة تاريخياً ــ وسلبية بالقيمة الحقيقية. أما البلدان النامية، التي زادت إنفاقها العام بشكل أقل حِـدّة أثناء أزمة كوفيد 19، فيتعين عليها رغم ذلك أن تدفع أسعار فائدة أعلى على ديونها السيادية. وقد ترتفع أسعار الفائدة هذه، فضلاً عن فوارق علاوات الأخطار التي يتعين على البلدان الأكثر فقراً أن تدفعها في أسواق رأس المال الدولية، مع بدء أسعار الفائدة في الاقتصادات المتقدمة ــ والولايات المتحدة بشكل خاص ــ بالارتفاع.

قبل مدة قصيرة من اجتماعات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي السنوية في أكتوبر/‏‏‏‏ تشرين الأول 2020، دعت المديرة الإدارية لصندوق النقد الدولي كريستالينا جورجييفا إلى إجراء إصلاحات عاجلة لبنية الديون الدولية. ولكن التحرك الفعلي كان محدوداً للغاية.

صحيح أن مجموعة العشرين أطلقت مبادرة تعليق خدمة الديون لمصلحة البلدان منخفضة الدخل مع بداية الجائحة، ثم وسعت نطاق المبادرة وأضافت إليها تدابير تكميلية في نوفمبر الماضي بالاستعانة بآلية تسمح لهذه البلدان بإعادة التفاوض بشأن ديونها على أساس كل حالة على حِـدة. ولكن مشاركة القطاع الخاص في هذه المبادرة كانت محدودة، ولم يُـقَـدَّمَ أي شيء مماثل للبلدان متوسطة الدخل.

يتعين على صناع السياسات الدوليين ملاحقة هدفين، ينبغي لكل منهما أن يعزز الآخر. إذ ينبغي لهم أن يعملوا على تعزيز المشاركة الكاملة، والعادلة، والشفافة من جانب الدائنين من القطاع الخاص في إعادة تصنيف الديون وإعادة هيكلتها إذا اقتضت الضرورة. كما يتعين عليهم تقديم دعم مالي إضافي يمكن البلدان النامية من الحفاظ على استثماراتها في التنمية المستدامة.

كما لا بد من بدء حوار حول كيفية إنشاء آلية مستقرة لإعادة هيكلة الديون السيادية تحت رعاية أطراف متعددة ــ إما الأمم المتحدة وإما آلية مستقلة لتسوية المنازعات تابعة لصندوق النقد الدولي. ظلت هذه القضية على الأجندة العالمية لعقدين من الزمن. وقد أُحـرِزَ بعض التقدم في تحسين فقرات العمل الجماعي في عقود الديون لتسهيل إعادة التفاوض المحتملة مع الدائنين من القطاع الخاص، ولكن العالم في احتياج ماس إلى إطار مؤسسي محدد.

يجب تكميل آلية إعادة هيكلة الديون بفرض ضوابط تنظيمية وافية على تدفقات رأس المال. وتُـعَـد هذه القضية محوراً لرؤية صندوق النقد الدولي المؤسسية لتدفقات رأس المال، والتي جرى تبنيها في عام 2012 وتخضع للمراجعة والتنقيح حالياً. على نحو مماثل، ينبغي لوكالات التصنيف الائتماني أن تضمن عدم مسايرة تقييمات الأخطار التي تصدرها للتقلبات الدورية، وأن تتأكد من تعبيرها عن منظور المدينين في الأمد البعيد.

بينما يسعى العالم إلى رسم خريطة للتعافي الاقتصادي من أزمة كوفيد 19 في عام 2021، يجب أن تكون القضايا المتعلقة بالديون محورية في أجندة التعاون العالمي. ويجب أن يخدم هذا التقرير إطاراً للعمل الدولي.

* وزير مالية كولومبيا الأسبق، وكيل الأمين العام للأمم المتحدة سابقاً، أستاذ في جامعة كولومبيا، رئيس اللجنة المستقلة لإصلاح ضرائب الشركات الدولية

Email