بنية عالمية جديدة للصحة

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

لا شك أن الضرر الناجم عن جائحة مرض فيروس كورونا 2019 «كوفيد 19»، الذي تفاقم بفعل استمرار ظهور متحورات جديدة، آخرها متحور أوميكرون، كان كارثياً، حيث أودت جائحة كوفيد 19 بالفعل بحياة أكثر من خمسة ملايين شخص في جميع أنحاء العالم، ومع توقع ارتفاع الحالات المؤكدة من 260 مليون اليوم إلى 460 مليوناً بحلول الخريف المقبل، تُقدر منظمة الصحة العالمية أن المرض قد يُنهي حياة خمسة ملايين شخص آخرين خلال الأشهر المقبلة.

إن أعضاء جمعية الصحة العالمية مطالبون دوماً بالبحث عن آليات كفيلة بمنع تكرار مثل هذه المأساة، ولا شيء أقل من ذلك. على وجه التحديد، يحتاج العالم الآن إلى عقد اتفاقية ملزمة دولياً لمنع حالات تفشي الأمراض المعدية في المستقبل من التحول إلى جوائح.

كما قال تيدروس جيبريسوس، المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، يجب أن يرتكز أي اتفاق جديد على أساس التزام رفيع المستوى لتوفير الصحة للجميع، وأن يستند إلى المساواة والتضامن بين البلدان. ينبغي أن يتمتع الجميع، بصرف النظر عن مقدار ثروتهم أو دخلهم، بإمكانية الوصول العادل إلى كل ما يلزمهم من أجل الحفاظ على صحتهم، ويجب على المجتمع الدولي أن يضمن الاستخدام والتوزيع العادلين للموارد الطبية المتاحة، وهذا سيتطلب وضع نظام مراقبة عالمي يعمل بكامل طاقته، وتسريع ومشاركة سُبل الدعم في حالات الطوارئ، وتوفير تمويل يمكن التنبؤ به.

لا شيء يُبرز الحاجة إلى مثل هذا الترتيب بصورة أوضح من الفشل الجماعي العالمي في الوفاء بوعد التوزيع العادل للقاحات كوفيد 19.

تُظهر التفاوتات في كميات اللقاحات بين الدول، سبب الحاجة إلى إحداث مزيد من التغييرات الأساسية في البنية الدولية لمجال الصحة العامة العالمية في ما يتعلق باتخاذ القرارات المتعلقة بالصحة. بالطبع، من بين المنظمات الدولية هيئة الاستئناف التابعة لمنظمة التجارة العالمية، والمحكمة الجنائية الدولية، التي تُعتبر قراراتها نهائية، هما الجهتان الوحيدتان اللتان تتمتعان بالحرية والسلطة اللازمتين لاتخاذ قرارات مُلزمة يتعين على الحكومات الوطنية اتباعها. لهذا تتعرض هاتان الهيئتان لهجوم من قبل تحالف مناهض للأممية، ومن ثم فإن إبرام معاهدة ملزمة لن يكون أمراً سهلاً.

توجد بالفعل معاهدة صحية عالمية للحد من الطلب على التبغ وعرضه، واتفاقية عام 2011 لضمان حصول منظمة الصحة العالمية على إمدادات لقاح الإنفلونزا عند الحاجة، لكن الميثاق الدولي الملزم قانونياً، والضروري لتمكين سلطات الصحة العالمية من بذل المزيد من الجهود للوقاية من الجوائح واكتشافها والاستعداد لها والسيطرة عليها، قد استعصى علينا حتى الآن.

يمكن أن تعتمد الحكومات على العديد من التقارير المهمة الصادرة مؤخراً.

لا بد أن تشتمل الاتفاقية القوية على عدة عناصر رئيسية. أولاً: ينبغي أن يتمتع القادة العالميون في مجال الصحة بسلطة أكبر لتطوير ورفع مستوى المراقبة الصحية. ثانياً: يتعين علينا أن نستفيد من العمل الرائد لمبادرتي تسريع إتاحة أدوات مكافحة كوفيد 19 «ACT-A»، وكوفاكس، وأن نعمل على ضمان التصنيع والتوزيع العادل لمعدات الحماية الشخصية، والفحوصات، والعلاجات، واللقاحات، بحيث يتسنى لجميع البلدان أن تحمي نفسها بشكل أفضل ضد الجوائح الحالية والمستقبلية. ثالثاً: نحن بحاجة إلى تشكيل مجلس عالمي يختص بالتخطيط للتأهب للجوائح.

لكن مثل هذه الترتيبات لن تنجح إلا إذا ابتكر القادة آلية تمويل مستدامة لمعالجة أوجه التفاوت العالمية الصارخة في ما يتعلق بتوفير الرعاية الصحية. في أوقات الأزمات العالمية، كثيراً ما نكتفي بتمرير القبعة طلباً للتبرعات أو عقد مؤتمرات مانحين ارتجالية. من الناحية المثالية، ينبغي تمويل خطط التأهب للجوائح وفقاً لصيغة تقاسم الأعباء التي توزع التكاليف بين البلدان ذات القدرة الأكبر على الدفع.

قد يكلفنا الفشل في تلبية أهداف التطعيم العالمية ضد كوفيد 19 خسارة نحو 2.3 تريليون دولار من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2025. بالتفكير في هذا الاحتمال، فإن الميزانية السنوية بقيمة 10 مليارات دولار التي اقترحتها اللجنة المستقلة الرفيعة المستوى لمجموعة العشرين للوقاية من الجوائح والتأهب لها ستوفر واحداً من أكبر عوائد الاستثمار في التاريخ. لكن ينبغي لنا أن نتصرف الآن، وقمة جمعية الصحة العالمية المنعقدة هذا الأسبوع هي المكان المناسب للبدء.

*رئيس وزراء المملكة المتحدة ووزير ماليتها سابقاً، والمبعوث الخاص للأمم المتحدة للتعليم العالمي ورئيس اللجنة الدولية لتمويل فرصة التعليم العالمي.

Email