مجالات صراع عالمية جديدة تعمق الشروخ

ت + ت - الحجم الطبيعي

يشهد عالمنا صراعات وبؤر نزاع خطرة مهددة، تنبئ بمزيد من التفكك وربما وقوع حروب مدمرة مستقبلاً، في حال لم نتنبه للأبعاد المتعلقة بما نعايشه من مشكلات في الخصوص. ووسائل الاتصال الحالية، تغذي تغول هذه النزعات وتحولها لصدامات مقلقة. كانت القناة الإنجليزية موقعاً لبعض من أكثر المواجهات دراماتيكية في التاريخ لكنها لم تعد الآن مسرحاً لسياسات القوى العظمى. بدلاً من ذلك، تسبب مقتل 27 مدنياً انقلب قاربهم المطاطي مؤخراً بعد مغادرة الساحل الفرنسي في تحويل القناة إلى موقع لمأساة إنسانية.

ولكن عوضاً عن العمل معاً في تضامن مع فرنسا لاستئصال مهربي المهاجرين المسؤولين عن هذه الوفيات، سعرت الدولتان حدة الخلافات وراحت كل منهما تتهم الأخرى بأنها المسؤولة. ونظراً لانعدام الثقة على ضفتي القناة، تعتقد كل من الحكومتين أن الأخرى تستخدم الصراع كجزء من مباراة أكبر بين القوى تمتد إلى التجارة والدفاع والسياسة الخارجية.

وقد تحولت الهجرة إلى كرة قدم سياسية في أوروبا الغربية..وكذا الشرقية.

إن هذه الحساسيات العالمية قد تصل إلى نواح كثيرة وبؤر توتر خطرة ، لا بد ان نعمل على نزع فتيلها. وقد وَصَـفَ الـمُـنَـظِّـر العسكري كارل فون كلاوزفيتز الحرب على أنها استمرار للسياسة بوسائل أخرى. لكن في العصر النووي، تكون الحرب في الأغلب الأعم خياراً لا يمكن سبر أغواره، ولهذا كان لا بدّ من استمرار السياسة العالمية بوسائل أخرى ــ ما أسميه «صراعات الاتصال». الواقع أن حكومات كثيرة تتلاعب بذات الأشياء التي تربط البلدان ببعضها بعضاً: سلاسل التوريد، والتدفقات المالية، وحركة الناس، والجوائح، وتغير المناخ، وفوق كل ذلك الإنترنت.

في حين تحرض جائحة فيروس كورونا البشرية جمعاء ضد مرض مُـعـدٍ واحد، يجري الآن تأجيج جائحة أخرى عمداً من الظلال. لقد أصبحت السلوكيات السامة معدية، حيث يستجيب القادة الوطنيون لاستخدام قوة الاتصال كسلاح من خلال الرد بالمثل.

سوف يكون من الصعب عكس الاتجاه الهابط الناتج عن ذلك، لأن صراعات الاتصال تدور عادة تحت سحابة من النفاق والإنكار المعقول ظاهرياً.

إن الطبيعة غير الرسمية التي تتسم بها مثل هذه النزاعات تجعل من الصعب فهم الأسباب وراء اتخاذ قرارات بعينها. لا يزال لزاماً على الحكومات أن تجد الأطر المناسبة لتقييم حتى اختياراتها. على سبيل المثال، عندما يتعلق الأمر بالقرارات بشأن الهجرة، كيف ينبغي لأي حكومة أن ترتب أولويات القانون الدولي، وسلامة البشر، ونفوذها الشخصي؟ هل كان المقصود من سياسات التجارة أن تعمل على زيادة الأرباح أو النفوذ الوطني؟ هل من الجائز أن يكون هدفها تقليص التكلفة التي يتحملها المستهلك في الأمد القريب، أو حماية المنتجين المحليين من المنافسة غير العادلة (وبالتالي منح المستهلكين اختيارات أكبر في الأمد البعيد)؟.

بدلاً من إزالة التوترات القائمة بين البلدان، تقدم قوة الاتصال وسائل جديدة للتنافس والانخراط في الصراع. ليس من المستغرب أن يصبح الخط الفاصل بين الحرب والسلام مطموساً على نحو متزايد. لقد ولى وذهب عالَـم تولستوي، حيث كانت فترات التناوب بين الصراع المفتوح والوئام محددة بوضوح. لقد دخلنا حقبة من الصراع الدائم، حيث سيكون أغلب المقاتلين وكل الضحايا تقريباً من المدنيين. في ما أسميه «عصر اللاسلم»، تحول بؤساء الأرض إلى عتاد حربي دون أن يدروا.

* مدير المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية .

Email