«معركة» معايير الاستدامة

ت + ت - الحجم الطبيعي

في تعليقه على مؤتمر الأمم المتحدة الأخير بشأن تغير المناخ «COP26» الذي استضافته مدينة غلاسكو، اكد رئيس وزراء المملكة المتحدة بوريس جونسون، الذي تصادف أنه كان مضيف الاجتماع، أنه كان بمثابة نجاح تاريخي نوعي.

وقد شدد رئيس المؤتمر ألوك شارما أيضاً على تفاؤله ما يتعلق بهدف اتفاقية باريس للمناخ التي أبرمت عام 2015 والمتمثل في الحد من زيادة درجات حرارة الأرض بما لا يتجاوز 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة. وبالمقابل، تبنى آخرون وجهة نظر مختلفة. فكما كان متوقعاً، وصَـفَـت الناشطة السويدية في مجال المناخ جريتا ثونبرج المؤتمر بشكل قاطع بأنه «فاشل».

لكن من منظور قطاع الأعمال الخاص، وخاصة البنوك وغيرها من الشركات المالية، ربما يثبت المؤتمر الذي انعقد على ضفاف نهر كلايد الباردة في غلاسكو كونه لحظة فاصلة. فبرغم أن سحابة غبار الفحم حجبت قضايا أخرى، فقد حقق التجمع بعض التقدم الملحوظ.

لنتأمل هنا قضية رئيسية تعوق التقدم نحو تخضير قطاع الأعمال: غياب أي إطار عمل واضح ومتفق عليه في عموم الأمر للإبلاغ عن التأثير المناخي المترتب على نشاط الشركات. لا تكمن المشكلة في عدم وجود إطار على الإطلاق، بل في حقيقة مفادها أن العديد من النماذج المتنافسة تقدم تصورات مختلفة.

عمل مجلس معايير محاسبة الاستدامة «SASB» في الولايات المتحدة، الذي أنشأته مؤسسة الإبلاغ عن القيمة «VRF» ودعمته مؤسسة بلومبرغ، على تطوير نموذج واحد. وعكف المنتدى الاقتصادي العالمي «WEF» على تطوير نموذج آخر. كما أنتجت مبادرة التقارير العالمية «GRI»، ومقرها أمستردام، مجموعة واسعة من معايير الاستدامة.

ويوصي فريق العمل المعني بالإفصاح المالي المتعلق بالمناخ «TCFD»، الذي عقده مجلس الاستقرار المالي «FSB» في بازل، بمجموعة من بيانات الإفصاح التي تبنتها العديد من البنوك تحت ضغط من الهيئات التنظيمية، وكثيرون منهم أعضاء في شبكة تخضير النظام المالي «NGFS».

قد يتبادر إلى ذهنك أن هذا القدر من الاختصارات كافٍ تماماً لفقرة واحدة، لكنّ مختصرا آخر دخل ميدان المعركة في غلاسكو، فقد أعلن رئيس أمناء مؤسسة المعايير الدولية للإبلاغ، إركي ليكانين، عن إنشاء مجلس معايير الاستدامة الدولية «ISSB» ليجلس جنباً إلى جنب مع نسل المؤسسة الآخر، مجلس معايير المحاسبة الدولية «IASB». سيكون مقر مجلس الإدارة الجديد في فرانكفورت.

وسوف يسعى مجلس معايير الاستدامة الدولية إلى إنتاج معايير من شأنها أن «تساعد المستثمرين على فهم الكيفية التي تستجيب بها الشركات للقضايا البيئية والاجتماعية وقضايا الحوكمة «ESG»، مثل المناخ، للإبلاغ عن قرارات تخصيص رأس المال».

لا شك أن التوحيد القياسي ضروري، والمنظمة التي أنتجت مجموعة من معايير المحاسبة الدولية تبدو وكأنها الهيئة الواضحة التي ينبغي لها شغل هذه الوظيفة. ولكن هل يجتذب مجلس معايير الاستدامة الدولية القدر الكافي من الدعم لربط الاختصارات الأخرى معاً وإحراز قصب السبق؟

تعكس التطورات بالصدد، التغير الهائل الذي طرأ على رأي القطاع المالي بشأن تغير المناخ في السنوات القليلة الأخيرة. إذ أسهم الضغط الذي مارسه بعض المستثمرين الصريحين في هذا التحول، في حين كشفت اختبارات الإجهاد التنظيمية عن ضعف محافظ القروض في مواجهة درجات الحرارة المتزايدة الارتفاع وزيادات أسعار الكربون التي تحركها السياسات.

لكنّ القائمين على البنوك بشر أيضاً، وهم يعتقدون الآن أنهم سينامون بسهولة أكبر ويصبحون قادرين على النظر في أعين أبنائهم إذا كانوا جزءاً من التحول الأخضر، بدلاً من كونهم رافضين قصيري النظر يمولون الطن الأخير من الفحم المستخرج من الأرض وآخر برميل من خام برنت.

* رئيس مجلس إدارة مجموعة « نات ويست»

 

Email