خريطة عمل لضمان جدوى قمة المناخ في غلاسكو

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

وصفت الناشطة المناخية الشابة غريتا ثونبرغ قمة المناخ التي استضافتها مدينة غلاسكو هذا العام «COP26»، بانها ستكون مجرد كلام، لا طائل أو جدوى منها ولن تثمر شيئاً.

وكان هذا حتى قبل أن تبدأ القمة. ويرى كثيرون أنها كانت محقة نوعاً ما، إذ إن الكلام يصبح مجرد خطابات عندما تفتقر الاتفاقيات الدولية إلى آليات فَـعَّــالة للتحقق من الالتزامات وإنفاذها.

تميل التجمعات مثل «COP26» إلى الافتقار إلى المصداقية، حتى عندما تُـقَـدَّم على أنها «فرصة أخيرة» لمنع نهاية العالم كما نعرفه. مع ذلك، تساعد مثل هذه الاجتماعات على رفع مستوى الوعي حول المشكلة والحلول المحتملة، وهذا أفضل من النزوع إلى إنكار المشكلة كما كانت الحال في السنوات الماضية.

صحيح أن الاتفاق النهائي الذي انتهت إليه قمة «COP26» يبدو ضعيفاً، خاصة وأن هدف الإبقاء على ارتفاع حرارة كوكب الأرض نتيجة للانحباس الحراري الكوكبي بما لا يتجاوز الدرجة ونصف الدرجة المئوية أصبح الآن بين الحياة والموت.

بدلاً من الحرص على التخلص التدريجي من «طاقة الفحم التي تعمل بكامل قوتها حالياً»، نتحدث الآن عن «خفضها تدريجياً»، وهو تغيير حاسم أُدخِـل بإصرار من الهند، وقبول من جانب الصين.

ورغم أن «الإلغاء التدريجي» يظل سارياً فيما يتصل «بإعانات دعم الوقود الأحفوري غير الفَـعّـالة»، فإن هذا يعني ضمناً أن إعانات دعم الوقود الأحفوري «الـفَـعّـالة» تظل تشكل خياراً وارداً.

لكن يجب أن نتذكر دوماً أن الكلام لا يكلف شيئاً. نظراً لاعتماد الهند بكثافة على الفحم، فربما يكون من الأفضل لو تحدد هدف الوصول بصافي الانبعاثات إلى الـصِـفر بحلول عام 2070 بدلاً من إعلان التزام «منتصف القرن» الذي لا تعتزم التمسك به.

في عموم الأمر، هناك عائقان رئيسيان يحولان دون تحقيق الأهداف المناخية المعلنة على مستوى العالم. الأول جيوسياسي، ويتمثل في استخدام روسيا للغاز الطبيعي كأداة استراتيجية لتقسيم أوروبا بين أولئك الذين يستخدمون الطاقة النووية كتكنولوجيا انتقالية (فرنسا)، وأولئك الذين يستخدمون الغاز (ألمانيا). الأمر الأكثر أهمية هو المنافسات الكبرى كتلك بين الولايات المتحدة والصين.

تمثل العقبة الكبرى الثانية في الخلاف حول كيفية تعويض البلدان الأقل نمواً عن الانصراف عن التكنولوجيات الكثيفة الكربون أو نبذها. السؤال ليس فقط من يتحمل الفاتورة، بل أيضاً على أي نحو يجب أن يكون تسليم التمويل اللازم. الواقع أن تاريخ مساعدات التنمية ليس مشجعاً بشكل خاص.

ورغم أنه من الثابت أن تحديد سعر عالمي للكربون أمر ضروري للتعامل مع العوامل الخارجية السلبية المتمثلة في الانبعاثات الغازية المسببة للانحباس الحراري الكوكبي، فإن أسواق الكربون تظل ناقصة النمو في الأغلب الأعم.

إن الاتفاق الذي تبنته 200 دولة تقريباً في مؤتمر المناخ الأخير من شأنه أن يسمح للبلدان بتحقيق أهدافها المناخية من خلال شراء عمليات المقاصة التي تمثل تخفيضات الانبعاثات التي تنفذها جهات أخرى. سوف يجلب هذا النظام مزيداً من الوضوح، لكنه عُـرضة للتلاعب.

كما يشجع الاتفاق الذي توصلت إليه قمة المناخ الأخيرة القطاعين العام والخاص على حشد المزيد من التمويل المناخي، وتعزيز الإبداع في التكنولوجيات الخضراء. لتحقيق هذه الغاية، يتمثل أحد النماذج الواعدة في عملية Warp Speed، الشراكة بين القطاعين العام والخاص في الولايات المتحدة التي جعلت من الممكن تطوير لقاحات مرض فيروس كورونا 2019 «كوفيد 19» بسرعة بالغة.

سوف يكون الدور الذي سيضطلع به القطاع المالي في تحويل الموارد من التكنولوجيات البنية إلى الخضراء بالغ الأهمية.

في كل الأحوال، يعكف القطاع المالي الآن على التنسيق بهدف المواءمة بشكل أوثق مع أجندة المناخ العالمية، كما يتضح من مبادرات جديدة مثل «تحالف غلاسكو المالي للـصِـفر الصافي»، الذي يترأسه محافظ بنك إنجلترا السابق مارك كارني.

وقد بات من الواضح على نحو متزايد أن تفويضات التمويل المستدام الطوعي المدعومة من قِـبَـل وسطاء ماليين يجب أن تكون أشد صرامة مما هي عليه اليوم. إن الإفصاح الإلزامي ضمن إطار واضح ربما يكون مطلوباً لرصد وضبط التمويه الأخضر. ويُـعَـد المجلس الدولي لمعايير الاستدامة الجديد تطوراً محموداً في هذا الاتجاه.

أخيراً، يجب أن يضطلع التنظيم المالي وسياسات البنوك المركزية أيضاً بأدوار أساسية في ترويج الاقتصاد الأخضر.

الأمر الأكثر إثارة للجدال يتمثل في التساؤلات حول ما إذا كان ينبغي للبنوك المركزية أن تفضل الأصول الخضراء (أو تعاقب الأصول البنية)، وبأي درجة، في برامج شراء الأصول، وإلى أي مدى يجب أن تتوافق متطلبات رأس المال مع معايير الاستدامة.

هل يكون من الواجب فرض رسوم إضافية على رأس المال زيادة على اعتبارات المخاطر، أو هل يجب أن تحمل القروض الخضراء خصماً؟ ما كان لأي من هذه التدابير أن يعني أي شيء في عالم حيث يجري تسعير الكربون على النحو اللائق، لكننا بعيدين بأشواط عن هذا السيناريو.

لا تزال أهداف المناخ التي حددها المجتمع الدولي طموحة للغاية، وخاصة في عالم مبتلى بتنافس القوى العظمى. من النادر أن تعمل الأطراف ذات الاهتمامات المتباينة معاً كفريق واحد. والتسوية ضرورية، ومن الواضح أن «الكلام غير المكلف» يُـعَـد خطوة أولى نحو الاتفاق على مسار عمل مشترك.

* أستاذ الاقتصاد والتمويل في كلية IESE لإدارة الأعمال

 

Email