«الاحتياطي الفيدرالي» والخيار الصائب

ت + ت - الحجم الطبيعي

يستحق الرئيس الأمريكي جو بايدن، الديمقراطي، الإشادة لجهده في إعادة تعيين جيروم باول، الجمهوري، لولاية ثانية مدتها أربع سنوات كرئيس لمجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي.

باختياره هذا، استغنى بايدن عن بديل قوي للغاية في شخص لايل برينارد، المرشحة الأكثر تفضيلاً بين التقدميين، والتي كانت لتشكل من الناحية النظرية اختياراً ممتازاً أيضاً. قاوم بايدن بكل حزم الضغوط القوية من قِـبَـل الجناح اليساري في الحزب الديمقراطي، وبهذا أنجز عدة أمور في وقت واحد.كان إنجاز بايدن الأول، والأكثر أهمية، التأكيد على استقلالية البنك المركزي عن الضغوط السياسية.

بإعادة تعيين باول، اتخذ بايدن أيضاً خطوة مهمة نحو ترسيخ استقلاليته شخصياً، وخاصة عن الجناح اليساري الشكس في حزبه، والذي مارَسَ حتى الآن قدراً هائلاً من النفوذ. انحرف بايدن بشدة باتجاه الوسط، مستنداً في اختياره بشكل كامل تقريباً إلى الكفاءة واختار مرشحاً أيده أيضاً كثيرون من الجمهوريين.

ربما ينتقل بعض تأكيد بايدن الجديد على الكفاءة إلى أماكن أخرى في إدارته.

في وقت حيث لا يزال اقتصاد ما بعد الجائحة متقلباً بصورة لا تصدق، ولا يزال من الصعب التنبؤ بالأحداث، كان اختيار باول مفيداً في جعل سياسة الاحتياطي الفيدرالي أكثر قابلية للتنبؤ بها وتفسيرها. فالأسواق كانت لتحتاج إلى فترة من التعديل ريثما تتعلم فهم لغتها وإشاراتها.

الواقع أن صفحة المقال الافتتاحي في صحيفة وول ستريت جورنال، التي كانت على يقين من أن سياسة الاحتياطي الفيدرالي ستؤدي حتماً إلى التضخم الشديد الارتفاع بصرف النظر عن المسؤول على رأسه، رفضت الاختيار بين باول وبرينارد على أنهما «شخصان متماثلان»، لكن هذا ينفي بعض الفوارق المهمة.

أعترف بأنني كنت أرسم صورة متفائلة بعض الشيء لقرار إعادة تعيين باول. الحق أن أحدث أرقام تضخم أسعار المستهلك، الذي تجاوز 6%، كان لافتاً للانتباه بشدة.

صحيح أن الأسواق المالية تبدو حتى الآن وكأنها تصدق زعم باول بأن أغلب هذه الزيادة في التضخم عابرة: تزيد توقعات التضخم في الأمد المتوسط عن 2% قليلاً، وهذا ليس مستوى مرتفعاً بشكل خاص بمعايير العقد الماضي. ولأن باول لم يعد يتلفت من حوله بعد قرار بايدن بتعيينه، فقد يزعم المرء أنه لن يشعر بعد الآن بأنه مقيد في إحكام السياسة النقدية عندما تقتضي الضرورة.

لكن هل انتظر الاحتياطي الفيدرالي لفترة أطول مما ينبغي بالفعل؟من الصعب أن نقرر، فقد يتبين أن العوامل التي تدعم ارتفاعات التضخم عابرة ومؤقتة حقاً، بحيث يصبح بوسع الاحتياطي الفيدرالي أن يضاعف جهوده في تطبيق سياسته المتساهلة.في هذه المرحلة، قد يرى بعض المراقبين أن الاحتياطي الفيدرالي يجب أن يعيد ضبط الموازنة بشكل انتهازي وأن يخبر الجميع بأنه يعتزم رفع هدف التضخم إلى 3% أو 4%.

منذ أمد بعيد وأنا أرى أن الطريقة الأكثر أناقة لإيجاد مساحة لتخفيضات أسعار الفائدة في فترة من الركود العميق تنطوي على سياسة أسعار فائدة سلبية. صحيح أن هذا يتطلب أن يكون الاحتياطي الفيدرالي مستعداً للاستفادة من واحد من الاختيارات العديدة المتزايدة لتثبيط اكتناز السيولة النقدية الذي قد يحد من فعالية السياسة.

بطبيعة الحال، قد يرفع الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة بشكل استباقي، لكن هذا قد يؤدي إلى انهيار الأسواق ودفع الاقتصاد إلى الركود.

لا توجد خيارات سهلة متاحة للاحتياطي الفيدرالي في هذه المرحلة، وكان هذا ليظل صادقاً حتى لو اختيرت برينارد للمنصب، لهذا، في نهاية المطاف يجب أن نعطي بايدن الفضل لفهمه أنه بصرف النظر عن مقدار الضغط السياسي الذي كانت تواجهه إدارته لإخضاع الاحتياطي الفيدرالي، فإن التصرف الأفضل كان دعم استقلالية البنك المركزي، واستقلاليته.

* كبير خبراء الاقتصاد الأسبق لدى صندوق النقد الدولي، وأستاذ الاقتصاد والسياسة العامة في جامعة هارفارد

 

Email