معلومات «كورونا» المضللة.. أسباب ومخاطر

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

هناك جملة آراء وإشارات واستشهادات بارزة، طفت على السطح أخيراً، من قبل قادة وأشخاص مشهورين في المجتمعات، تمجد وتشيد بفضل العلاجات الخاصة بـ «كوفيد 19»، التي رفضها العلماء، إذ أدهشنا كثيرون بأنهم استفادوا مثلاً، من عقار هيدروكسي كلوروكوين المضاد للملاريا.

إن دعم مثل هذه «العلاجات المعجزة» معروف جيداً، فهو يظهر باستمرار في الصحافة ببعض الدول وعلى الشبكات الاجتماعية للترويج لاستخدام العلاجات غير المصنفة، ومن بين ذلك كما يحدث في البرازيل ومدغشقر على سبيل المثال، وفعلياً يؤكد الخبراء أن مثل هذه الأمور ليس لها أساس في الحقائق العلمية.

وطبعاً نستشهد هنا بموقف مماثل كان قد قام به الرئيس الامريكي السابق، دونالد ترامب، خلال فترة إدارته، إذ دعا إلى اعتماد مجموعة متنوعة من العلاجات غير المثبتة. وبعد أن استبد اليأس بالمجتمع العلمي، نجح هؤلاء السياسيون وغيرهم في إقناع شريحة كبيرة من الشعب بفعالية مثل هذه العلاجات وسلامتها.

وانتشرت المعلومات المضللة أثناء الوباء، لكنها ليست ظاهرة جديدة، إذ أظهر عالم السياسة، جيمس كوكلينسكي، وزملاؤه في عملهم الأساسي حول مفهوم الرفاهية في الولايات المتحدة، أن نسباً كبيرة من السكان الأمريكيين لديهم معتقدات غير دقيقة حول من تلقوا دعم الدولة والفوائد التي حصلوا عليها.

وخلصوا أيضاً إلى أن انتشار المعلومات المضللة حال دون اكتساب المعلومات غير الدقيقة للزخم، فبكل بساطة ليس لدى الأشخاص المضلَّلين معلومات مغلوطة، إذ استثمروا إلى حد كبير في مفاهيمهم الخاطئة، وهذا ما يجعل المعلومات الخاطئة قوية للغاية، فهي تجمع بين المفاهيم الخاطئة عن العالم بدرجة عالية من الثقة في دقتها.

ولا يصدق الناس المعلومات المغلوطة لأنهم جاهلون، بل هناك العديد من العوامل المؤثرة، لكن معظم الباحثين يتفقون على أن تصديق المعلومات الخاطئة لا علاقة له بكمية المعرفة التي يمتلكها الشخص، فالمعلومات المضللة هي مثال رئيسي على الاستدلال المدفوع، إذ يميل الناس إلى الوصول للاستنتاجات التي يريدونها طالما أنهم قادرون على تبرير هذه النتائج بصورة منطقية.

وأظهرت إحدى الدراسات التي نُشرت في عام 2017 أن الأشخاص الذين لديهم قدر أكبر من المعرفة العلمية والتعليم هم أكثر احتمالاً للدفاع عن معتقداتهم المستقطبة بشأن مواضيع علمية مثيرة للجدل بسبب «مخاوف غير علمية».

إن واحدة من أقوى هذه المخاوف هو الحفاظ على الهوية، إذ يكون القادة السياسيون أكثر فاعلية في دفع المعلومات المضللة عندما يستغلون خوف المواطنين من فقدان ما يرونه عنصراً يحدد جوانب ثقافتهم، ولا سيما لغتها، ودينها، وتسلسلها، وأدوارها العرقية والجنسانية.

وفي البيئات السياسية المستقطبة، فإن شراء هذه المعلومات المضللة لا علاقة له بالمستويات المنخفضة من المعرفة أو المشاركة، ولكن بالأحرى بكيفية تفسير المعلومات بطريقة تتوافق مع الهوية الحزبية.

ويعني منظور «نحن مقابل هم» أن الأجزاء المختلفة من المعلومات التي يتلقاها الأشخاص تعالَج بطريقة تتلاءم مع رؤيتهم للعالم، وهذا هو السبب في أن الأفراد يمكن أن يستخلصوا من نفس الحقائق استنتاجات متباينة إلى حد الذهول.

وعندما يبيع القادة السياسيون علاجات غير مثبتة لـ«كوفيد 19»، فإنهم يستفيدون من هذا الاتجاه الاستقطابي. ولكن التركيز المفرط على هؤلاء السياسيين قد يحجب السبب الرئيسي وراء اقتناع الناس بهذه الرسائل. إن الرغبة في تصديق المعلومات المضللة متجذرة في الجوانب الأساسية للهوية الثقافية التي يتلاعب بها السياسيون.

وأظهر بحث حديث أجرته ماريانا بورجيس مارتينز دا سيلفا، وهي زميلة مرحلة ما بعد الدكتوراه في جامعة أكسفورد، أن أحد الأسباب التي تجعل البرازيليين يثقون في علاجات مثل تلك التي يروج لها بعض السياسيين والمشاهير، هو اعتقاد ثقافي عميق بأن «الطبيب الجاد» هو من يصف الدواء.

إن فهم دوافع المعلومات المضللة أمر بالغ الأهمية لمنع انتشارها. وللحفاظ على سلامة الناس من «كوفيد 19» وتشجيع التطعيم، لا يكفي إدانة السياسيين الذين يُروجون لمعلومات كاذبة، بل ينبغي أيضاً أن نفهم الدوافع الأساسية التي تجعل الناس يصدقونها.

* باحث مشارك في مركز الأنظمة العامة بجامعة تشيلي، مرشح لنيل درجة الدكتوراه في أساليب البحث الاجتماعي في كلية لندن للاقتصاد.

 

Email