المساعدات الصينية..حلول تنموية دولية

نانسي تشيان

ت + ت - الحجم الطبيعي

منذ عام 2000، أنفقت الصين 843 مليار دولار أمريكي على المساعدات الثنائية. هذا يعادل نحو 39.5 مليار دولار سنوياً، وهو مماثل للمبلغ الذي تقدمه الولايات المتحدة، أكبر مانح للمساعدات الخارجية في العالم. على الرغم من اختلاف تعريف كل من الدولتين للمساعدات الخارجية، فلا أحد يستطيع أن يجادل في حقيقة مفادها أن الصين ــ التي مولت خلال العقدين الأخيرين 13.427 مشروعاً في مجال المساعدات الثنائية في 165 دولة ــ هي أكبر لاعب جديد في هذا المجال. علاوة على ذلك، تتحدى أبحاث حديثة وجهة النظر السلبية غالباً التي يعرب عنها المراقبون الخارجيون بشأن خطط التنمية الخارجية التي تنفذها الصين.

إن الصين لا تستخدم هذه المساعدات لتحقيق أهداف سياسية، كما يتهمها البعض، والدليل أن ثمار أعمالها تنعكس خيراً ورفاهية وتنمية حقيقية على الكثير من الدول الفقيرة من دون ان يقترن ذلك بأي ارتباطات او فوائد للصين او أية اتفاقات ذات طابع سياسي لها مع مثل هذه الدول. إن أكثر من 300 مؤسسة حكومية صينية وشركة مملوكة للدولة مولت مشاريع الصين في إطار المساعدات الخارجية التي يتجاوز عددها 13 ألف مشروع، في ظل مشاركة قليلة من قِـبَـل كيانات خاصة. ولا تجعل الصين مساعداتها التنموية مشروطة بأداء المؤسسات في البلدان المتلقية أو السياسة التي تنتهجها. وتقدم الصين تمويل التنمية عادة في هيئة قروض، إما بأسعار فائدة مدعومة بشكل كبير أو بأسعار الفائدة في السوق، لمشاريع البنية الأساسية الضخمة.

وقد أكدت دراسات حديثة أن هذه المساعدات الصينية الخارجية، ترتبط بتخفيف المشكلات المحلية في البلدان المحتاجة، أكثر من ارتباطها بتحقيق الهيمنة الخارجية، كما يدعي البعض. لهذا، من الناحية المجتمعية تعود المساعدات على الجميع بالفائدة من منظور الصين. إذ تساعد أموال المعونة في الحد من البطالة المحلية، وهذا من المفترض أن يخفف من التوترات الاجتماعية، وتكون البلدان المتلقية شاكرة لحصولها على المساعدات.

لكن أهم ما كشفت عنه الدراسات الاقتصادية الأخيرة هو أن المساعدات الصينية تزيد من نمو الناتج المحلي الإجمالي، واستهلاك الأسر، وتشغيل العمالة في البلدان المتلقية. لذا، فعلى العكس من الرأي التقليدي، تمتد فوائد المساعدات الخارجية الصينية إلى المواطنين العاديين.

الواقع أن هذه النتائج ليست مفاجئة، برغم أن كثيرين قد يجدون صعوبة في قبولها. يتفق أغلب الاقتصاديين، وكذا أغلب المسؤولين في مؤسسات مثل البنك الدولي، على أن البنية الأساسية الحديثة تُـعَـد المفتاح إلى تعزيز النمو الاقتصادي في البلدان الفقيرة. مع ذلك، نجد أن البلدان الأشد احتياجاً إلى مثل هذه البنية الأساسية هي في كثير من الأحيان تلك التي تضم المؤسسات الأكثر اختلالاً، وهذا غالباً ما يكون السبب وراء فقر هذه البلدان وعدم قدرتها على تشييد مشاريع البنية الأساسية بذاتها في المقام الأول.

في مثل هذه الحالات، من الممكن أن تعمل المساعدات الصينية على تقديم حلول أنيقة. ولأن الشركات الصينية تجلب معها عمالها وموادها ولا تعتمد على سلاسل التوريد المحلية، فهي معزولة إلى حد كبير عن الكسب غير المشروع والفساد المحلي.

علاوة على ذلك، من الممكن أن تخلف مشاريع البنية الأساسية التي تنفذها الصين فوائد واسعة النطاق حتى لو كانت حكومات البلدان المتلقية غير مهتمة برفاهة مواطنيها. فالطريق الجديد الذي يربط بين منجم وميناء يوفر أيضاً القدرة على الوصول إلى وسائل النقل للسكان الذين يعيشون على طول ذلك الطريق، وهذا من شأنه أن يشجع التنمية هناك.

من المؤكد أن المساعدات الصينية ستكون موضع المزيد من التركيز، حيث يكرس الباحثون قدراً أكبر من الاهتمام للموضوع. لكن دوافع الصين منها ليست سيئة فالفوائد التي تعود على الفقراء من المساعدات في بعض الأحيان تشكل حقيقة واعدة للبلدان المتلقية.

 

* أستاذة الاقتصاد الإداري وعلوم صنع القرار في كلية كيلوج للإدارة في جامعة نورث وسترن، والمدير الـمـؤَسِّـس لمختبر الصين للاقتصاد ومختبر الصين في جامعة نورث وسترن.

opinion@albayan.ae

Email