الاقتصاد الدائري أمل البشرية وضمانة التنمية المستدامة

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

إن الاقتصاد الدائري هو أملنا الوحيد لتحقيق أهداف الأمم المتحدة السبعة عشر للتنمية المستدامة وضمان بقاء البشرية على المدى الطويل.

إذا كان يجب على القوى العظمى أن تتنافس، فيجب أن تتنافس في هذا المجال.

في كل عام، يتم إلقاء 400 مليون طن من المعادن الثقيلة والحمأة السامة والنفايات الصناعية في مجارينا المائية. ينتهي المطاف بما لا يقل عن ثمانية ملايين طن من البلاستيك في محيطاتنا. يُفقد أو يُهدر نحو 1.3 مليار طن من الغذاء - نحو ثلث ما يتم إنتاجه - بينما يعاني مئات الملايين من الناس الجوع. تتعرض محيطاتنا للصيد الجائر، وتتدهور أراضينا، ويتآكل التنوع البيولوجي بسرعة.

وفي الوقت نفسه، أصبحت الكوارث الطبيعية المدمرة - الفيضانات المفاجئة في أوروبا والصين، وحرائق الغابات في الولايات المتحدة، وانتشار الجراد في إفريقيا والشرق الأوسط - أكثر تواتراً.

لم يكن عدم استدامة النمط المتبع: «أخذ - صنع - نفايات» للإنتاج والاستهلاك العالميين أكثر وضوحاً من أي وقت مضى. في الواقع، إذا لم نتخلَّ عنها بحلول عام 2050، فسنحتاج إلى ما يعادل ثلاثة كائنات أرضية تقريباً لتوفير موارد طبيعية كافية للحفاظ على أنماط الحياة الحالية، وسيزيد إنتاج النفايات السنوية بنسبة 70٪. ولكن هناك طريقة أفضل: يمكننا احتضان الاقتصاد الدائري.

سيفصل الاقتصاد دائري النمو عن استهلاك الموارد المحدودة، ويحافظ على المنتجات والمواد قيد الاستخدام، ويجدد النظم الطبيعية. لقد بدأ الاتحاد الأوروبي بالفعل تبني هذا النهج. تقدم خطة عمل الاقتصاد الدائري - أحد أعمدة الصفقة الأوروبية الخضراء - تدابير تشريعية وغير تشريعية من شأنها أن تؤثر في دورة الحياة الكاملة للمنتجات، بهدف ليس فقط توفير المواد، ولكن أيضاً لخلق فرص العمل، وتحسين صحة الإنسان - الوجود وحماية الطبيعة.

قطاع التصنيع هو مثال على ذلك. كما تشير الخطة، يتم تحديد ما يصل إلى %80 من التأثير البيئي للمنتج في مرحلة التصميم، ومع ذلك لا يملك المصنعون حوافز كافية لتصميم منتجات مستدامة (أو دائرية). يخطط الاتحاد الأوروبي لتعزيز هذه الحوافز من خلال التشريعات.

في النهاية، سيساعد هذا الأمر المصنعين. نظراً لكون الاتحاد الأوروبي قوة تصنيعية، فيمكنه المساعدة على وضع معايير عالمية لاستدامة المنتج والتأثير في تصميم المنتج وإدارة سلسلة القيمة في جميع أنحاء العالم. ولكن أوروبا تتخذ أيضاً نهجاً مباشراً أكثر لدفع التقدم العالمي إلى الأمام نحو اقتصاد دائري.

ولكن، إذا أريد لهذا الجهد أن ينجح، يجب علينا أولاً أن نفهم لماذا استغرق الأمر وقتاً طويلاً حتى يتجذر مفهوم الاقتصاد الدائري. يكمن جزء من الإجابة في كيفية تعامل الأيديولوجية الاقتصادية السائدة مع الطبيعة.

في تقرير حديث، قدم بارثا داسجوبتا تبريراً دبلوماسياً لتجاهل علم الاقتصاد السائد الطبيعة. وأشار إلى أنه في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية مباشرة، كان الفقر المدقع مستوطناً في الكثير من إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، وكان جزء كبير من أوروبا في حالة خراب. ولذلك كان من الطبيعي التركيز على تراكم رأس المال المادي (البنية التحتية والسلع) ورأس المال البشري (الصحة والتعليم). إن إدخال الطبيعة، أو رأس المال الطبيعي، في النماذج الاقتصادية كان سيضيف أمتعة غير ضرورية إلى التمرين.

يعني عدم الرغبة في حمل أمتعة الطبيعة أن المحاسبة الاقتصادية ركزت بشكل حصري تقريباً على نمو الناتج المحلي الإجمالي - كلما كان ذلك أفضل - لأكثر من 70 عاماً، من دون أي احتساب لتأثير النشاط الاقتصادي في البيئة الطبيعية. لا عجب إذن أن الوضع أصبح يائساً للغاية.

ولكن هناك تطورات واعدة. في مارس، اعتمدت اللجنة الإحصائية للأمم المتحدة نظام محاسبة النظام البيئي للمحاسبة البيئية والاقتصادية، وهو إطار لتنظيم البيانات حول الموائل والمناظر الطبيعية، وقياس خدمات النظام البيئي، وتتبع التغييرات في أصول النظام البيئي، وربط هذه المعلومات بالنشاط الاقتصادي وغيره من الأنشطة البشرية. وقد دفعت كل من الرئاسة اليابانية لمجموعة العشرين في عام 2019 والرئاسة الإيطالية الحالية لاتخاذ إجراء عالمي بشأن الاقتصاد الدائري.

كما اتخذت الصين خطوات مهمة في هذا الاتجاه. في شهر أغسطس 2008، أصبحت واحدة من أوائل الدول التي أقرت قانوناً يهدف إلى تعزيز الاقتصاد الدائري. كما أشار داسجوبتا في تقريره، كرست الصين أيضاً مفهوم الحضارة البيئية في دستورها في عام 2018. واستراتيجية الصين للتداول المزدوج - سمة من سمات خطتها الخمسية الرابعة عشرة (التي تغطي الفترة 2021-25) التي تهدف إلى تخفيف الضربة الناجمة عن الانفصال الاقتصادي - الذي نشأ عن نموذج الاقتصاد الدائري.

في حين أن الاتحاد الأوروبي والصين قد يختلفان حول الاستخدامات التقنية والاقتصادية والسياسية للاقتصاد الدائري، فإن التزامهما المشترك التحرك نحو مثل هذا النظام يعد أخباراً جيدة. وينبغي أن تحذو المزيد من الاقتصادات حذوها، مع تقديم مساعدات متعددة الأطراف ومساعدة فنية للاقتصادات الناشئة.

* زميل متميز في معهد آسيا العالمي بجامعة هونغ كونغ، عضو في المجلس الاستشاري لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة بشأن التمويل المستدام.

** رئيس معهد هونغ كونغ للتمويل الدولي، أستاذ ومدير معهد السياسة والممارسة بمعهد شنزهان المالي في الجامعة الصينية بهونغ كونغ، شنتشن.

 

Email