الأمم المتحدة ومعضلة «الشيخوخة»

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

لقد جعلت جائحة «كوفيد 19» موضوع الشيخوخة العالمية من المواضيع التي يستحيل تجاهلها، فهذه الجائحة هي الأولى التي تحدث منذ أن أصبح عدد سكان العالم الذين تتجاوز أعمارهم 65 سنة أكثر من أولئك الذين تقل أعمارهم عن 5 سنوات، علماً بأن الوفيات المرتبطة بـ«كوفيد 19» ترتفع بشكل كبير مع تقدم العمر.

إن تقاطع الجائحة مع هذا الواقع الديموغرافي الجديد قد كشف عن الفجوة المتعلقة بهيكلة الحوكمة العالمية، حيث لا توجد أي مؤسسة دولية مسؤولة عن حماية حقوق الفئة العمرية الأسرع نمواً، الذين تبلغ أعمارهم 65 سنة وأكثر، والدفاع عن مصالحهم.

إن هذه الثغرة المؤسسية أسهمت في عدم وجود استجابة عالمية موحدة لجائحة عالمية تؤثر بشكل غير متناسب على هذه الفئة العمرية، علماً بأن حملات التطعيم غير المتسقة هي العارض الأكثر وضوحاً، لكنْ هناك أبعاد كثيرة لأوجه الضعف.

إن المجموعات السكانية الأخرى لم يتم تجاهلها، فصندوق الأمم المتحدة للطفولة «اليونيسيف» يستهدف احتياجات حقوق الأطفال، وهيئة الأمم المتحدة للمرأة تقوم بالترويج للمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة، وصندوق الأمم المتحدة للسكان يركّز على قضايا الصحة الإنجابية، ومنظمة العمل الدولية تراقب معايير وشروط العمال.

لا يوجد حالياً أي منظمة تركّز على كبار السن، وعلى الرغم من أن كبار السن مشمولون بشكل ضمني بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948، فإن عدم وجود تركيز واضح عليهم، بالإضافة إلى التغير الديموغرافي يعني أنهم يشكلون نسبة متزايدة من الناس الأكثر ضعفاً في العالم.

إن الأسباب وراء هذه الفجوة المؤسسية الحالية هي تاريخية، فتركيبة سكان العالم كانت مختلفة تماماً عندما تم تأسيس الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية في أربعينيات القرن الماضي، علماً بأنه في سنة 1950 كان عدد الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 15 عاماً يبلغ حوالي سبعة أضعاف الأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 65 عاماً أو أكبر.

ولكن بحلول عام 2050، ستكون هاتان الفئتان العمريتان متساويتين تقريباً، مع وجود 1.5 مليار شخص تبلغ أعمارهم 65 عاماً أو أكثر - ما يقرب من ضعف عدد الأطفال الذين كانوا على قيد الحياة عند إنشاء الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية.

إن جسر هذه الهوة المتعلقة بالحوكمة يتطلب مبادرتين: معاهدة للأمم المتحدة تتعلق بحقوق كبار السن، وذلك من أجل توفير إطار للتصدي لأشكال عدم المساواة الاقتصادية والاجتماعية وأوجه الضعف، وإنشاء وكالة دولية مثل برنامج الأمم المتحدة لكبار السن.

في نهاية المطاف سيكون التركيز الرئيسي على الصحة، حيث إن الحاجة كبيرة، كما أن الهوة كبيرة كذلك.

للأسف هناك ثلاثة أشكال لسوء الفهم المشترك الذي منع قادة العالم من جسر الهوة المؤسسية. بادئ ذي بدء، يتم النظر لزيادة شيخوخة السكان تقليدياً على أنها مشكلة تتعلق بالدول الغنية إلى حد كبير.

وبينما الدول مرتفعة الدخل لديها حالياً النسبة الأعلى من السكان الذين تبلغ أعمارهم 60 عاماً وأكثر، فإن معظم الناس من ذلك الجيل يعيشون في الدول منخفضة ومتوسطة الدخل. إن هناك 308 ملايين شخص من تلك الفئة العمرية يعيشون في الدول الغنية مقارنة بـ 322 مليون شخص في الدول منخفضة ومتوسطة الدخل، و419 مليون شخص آخر في البلدان ذات الدخل المتوسط والأعلى.

إن هذا يقودنا لسوء الفهم الثاني، وهو أن البلدان التي لديها أعداد كبيرة من الشباب لا تحتاج لأن تشعر بالقلق تجاه الشيخوخة المجتمعية.

إن هذه المقاربة التي تتطلع إلى الأمام تسلط الضوء على سوء الفهم الثالث، الذي ينعكس في الفشل في النظر إلى الشيخوخة من منظور يتعلق بمراحل الحياة.

إن تحقيق الشيخوخة الصحية يتطلب التركيز على جميع مراحل الحياة، وذلك بدءاً من الرعاية ما قبل الولادة إلى الرعاية المتعلقة بنهاية الحياة، ونظراً لأن الشباب سيعيشون أطول عمر، فإن مقاربة مراحل الحياة هذه تعتبر ضرورية لتحقيق العدالة بين الأجيال ومنع مخاطر من أن يتفاقم عدم المساواة مع تقدم العمر.

إن العدد المتزايد من كبار السن وزيادة احتمالية أن يصبح الشباب كهولاً يعني أنه في عدد كبير جداً من البلدان فإن أشكال الدعم الاجتماعي الحالية غير متطورة، علماً بأن وجود هذه الفجوة على المستوى الوطني هو سبب آخر لإنشاء هيئة عالمية داعمة، وذلك من أجل نشر أفضل الممارسات.

إذا أردنا للهيكلة المؤسسية في العالم أن لا تترك أحداً وراء الركب، يتوجب عليها أن تتكيف مع تركيبتها الديموغرافية المتغيرة، كما يجب أن يتم توسيع صلاحيات الأمم المتحدة بشكل صريح للقيام بذلك.

* أستاذ الاقتصاد بكلية الصحة العامة بجامعة كيب تاون.

 

Email