الصين.. اقتصاد قوي مستدام

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

يعد الوصول إلى الحياد الكربوني تحدياً هائلاً بالنسبة لأي بلد، خاصةً البلدان التي تتمتع باقتصاد كبير ومتطور. وهناك بعدان لهذه المشكلة: الحد من الأنشطة الاقتصادية التي تنتج انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وانخفاض الانبعاثات، إما من خلال تعويضات الكربون مثل إعادة التحريج، أو عن طريق استبدال مصادر الطاقة المتجددة بالوقود الأحفوري.

وفي حالة الصين، من غير المرجح أن تنخفض الأنشطة الاقتصادية المسببة لانبعاثات غازات الدفيئة. فالصين دولة ذات دخل متوسط يبلغ عدد سكانها 1.4 مليار نسمة، يعيش نصفهم تقريباً على دخل يساوي أو يقل عن نظيره في إفريقيا جنوب الصحراء. وحتى لو تمكنت الصين من تطوير قطاعات التكنولوجيا الفائقة (وهو ما تهدف إليه الخطة الخمسية الجديدة)، فسيظل مئات الملايين من الأشخاص في حاجة إلى وظائف في القطاعات ذات الاستخدام الكثيف للطاقة مثل التصنيع.

إذا تمكنت الصين من بناء 350 ــ 1000 مفاعل نووي بأمان، فستكون قد أنشأت سلسلة إمداد تمكن من الإنتاج بكميات ضخمة ومن تزويد البلدان الأخرى- خاصة الاقتصادات ذات الدخل المتوسط مثل الهند وإندونيسيا، والمكسيك- بنفس التقنيات وبتكلفة أقل.

وإجمالاً، تدعم الحقائق هدف الصين الطموح المتمثل في الوصول إلى حياد الكربون بحلول عام 2060. وسيستفيد العالم بأسره من نجاحها في تحقيق ذلك.

قوبل التزام الصين بتحقيقها لهدف الحياد الكربوني بحلول عام 2060، وهو التزام أصبح منصوصاً عليه الآن في خطتها الخمسية الرابعة عشرة، بحماس دولي. وإذا نجحت الصين، فيمكنها بمفردها خفض درجات الحرارة العالمية بمقدار 0.25 درجة مئوية، مقارنة بارتفاعها المتوقع. لكن هل خطتها واقعية؟

على الرغم من أن النمو الاقتصادي في الصين سيكون أبطأ مما كان عليه في أوائل العقد الأول من القرن الحالي، إلا أن استهلاك الطاقة المنزلية سيستمر في الزيادة، بسبب ارتفاع الطلب على السيارات والأجهزة المنزلية الأخرى التي تناسب ذوي الدخل المتوسط.

إن قدرة الصين على التدرج في مصادر الطاقة المتجددة تدعو إلى قدر أكبر من التفاؤل. فقد قامت الدولة بالفعل باستثمارات هائلة في بناء نظام نقل عام لا يعتمد على الوقود الأحفوري، وهي تتقدم بسرعة في مجال السيارات الكهربائية المزدهر. وأكثر ما نجهله هو ما إذا كانت الصين ستكون قادرة على توليد طاقة كافية لجميع احتياجاتها المنزلية والصناعية بدون استخدام الوقود الأحفوري.

وهناك علامات إيجابية تشير إلى إمكانية حدوث ذلك. إذ تهدف الخطة الخمسية الجديدة إلى زيادة مساهمة طاقة الرياح والطاقة الكهرومائية والشمسية إلى 25 % من مزيج الكهرباء بحلول عام 2030، وهو ارتفاع من 15 % في السنوات الخمس السابقة. وعلى الرغم من أن هذا هدف طموح، إلا أن التطورات التكنولوجية الحديثة جعلت منه غاية قابلة للتحقيق الوشيك.

والمصدر الآخر للطاقة المتجددة هو الطاقة النووية، إذ تمتلك الصين حالياً 50 مفاعلاً قابلاً للتشغيل، وهو ما يمثل 4 % من إجمالي توليد الكهرباء. وهناك 18 شركة أخرى قيد الإنشاء، ووعدت بزيادة الحصة إلى حوالي 6 %. ومنذ عام 2016، وافقت السلطات الصينية على 6 ــ 8 مفاعلات جديدة كل عام، وهو معدل من شأنه أن يرفع الإجمالي إلى حوالي 350 بحلول عام 2060.

ولكي تحل الطاقة النووية وحدها محل الفحم، الذي يمثل 66 % من مزيج الكهرباء، ستحتاج الصين إلى بناء أكثر من 500 مفاعل بحلول عام 2060. وإذا احتاجت إلى مضاعفة طاقتها، فستحتاج إلى حوالي 1000 مفاعل إضافي، مما يمنحها نسبة المفاعل إلى عدد السكان تشبه تلك الموجودة في فرنسا.

وقد يبدو بناء 1000 مفاعل إضافي في الأربعين سنة القادمة أمراً مستحيلاً من الناحية المالية واللوجيستيكية. ولكن ربما لا ينطبق ذلك على الصين التي غيّرت بالفعل أشكالاً أخرى من البنية التحتية خلال فترة مماثلة. فعلى سبيل المثال، بين عامي 1988 و2019، وسعت نظام الطرق السريعة الوطنية من حوالي 35000 كيلومتر (22000 ميل) إلى 161000 كيلومتر، متجاوزة بذلك الولايات المتحدة.

كما أن الصين أقل تقييداً بالتحدي الرئيسي الذي تواجهه معظم الدول الأخرى عندما يتعلق الأمر ببناء مفاعلات نووية، وهو الخوف العام. فبعد كارثة فوكوشيما اليابانية في عام 2011، قررت ألمانيا التخلي عن الطاقة النووية، على الرغم من أنها تمثل 29 % من مزيج الطاقة لديها (اعتباراً من 2014). كذلك، بعد الانهيار الجزئي الذي حدث في جزيرة «ثْري مايل» في عام 1979، كاد إنشاء محطات نووية جديدة في الولايات المتحدة أن يتوقف. وتمثل الطاقة النووية الآن 20 % من مزيج الكهرباء في الولايات المتحدة، ولا تزال تواجه مقاومة شديدة من تحالف غير عادي ضد مصالح الوقود الأحفوري والمنظمات البيئية.

ومع ذلك، هناك إجماع في المجتمع العلمي على أن الطاقة النووية فعالة من حيث التكلفة وصديقة للبيئة. كما أن مفاعلات الجيل الثالث الجديدة أكثر أماناً وفاعلية من مفاعلات الجيل الأول التي أصبحت مرتبطة بحوادث مثل كارثة «تشيرنوبيل». والآن، يمكن مقارنة عواقب حادث أو هجوم إرهابي بعواقب العديد من المخاطر المشتركة الأخرى التي نعتبرها ببساطة بديهية. وفي سعي الصين لتحقيق أهداف إزالة الكربون، يمكنها أن تتبع البيانات، بدلاً من المصالح الخاصة.

نعم، لا يزال من الممكن أن تخلق السياسة الداخلية للصين بعض العقبات، لا سيما إذا كان عدم الاستقرار في مناطقها الغربية يحبط نمو طاقة الرياح والطاقة الكهرومائية والطاقة الشمسية. ولكن الحكومة الصينية لديها حيز سياسي أكبر مقارنة مع غيرها عندما يتعلق الأمر بفرض خياراتها.

أستاذة الاقتصاد الإداري وعلوم القرار في كلية (كيلوغ) للإدارة بجامعة (نورث وسترن)، هي المديرة المؤسسة لمختبر الاقتصاد الصيني ومختبر (نورث وسترن) الصيني.

Email