تحديات الغذاء العالمي وقدرة الدول على اجتراح الحلول

غلوريا إبراهام بيرالتا

ت + ت - الحجم الطبيعي

هناك حاجة ملحة لأن تتضافر جهود دول العالم في عمليات السعي للتغلب على الجائحة وبناء اقتصادات أكثر شمولاً واستدامة، ووضع الأسس لمستقبل أكثر عدلاً ومرونة وصلابة. إن التوصل لاتفاق في منظمة التجارة العالمية لتحسين قواعد التجارة بالأغذية والزراعة ستكون بداية مهمة في هذا الخصوص.

إن بإمكان الحكومات هذا العام التحقق من أن وجود قواعد عالمية جديدة ستساعد في عودتنا للمسار الصحيح من أجل الوصول لنظام تجاري زراعي أكثر عدلاً واستدامة والتغلب على النكسات الأخيرة في ما يتعلق بجهودنا في التصدي للجوع وسوء التغذية. إن قمم الأمم المتحدة للأنظمة الغذائية وتلك الخاصة بالتجارة العالمية، في هذا العام، مصيرها أن تعطي لصناع السياسيات فرصة كافية للإنجاز في هذا المجال بفضل ما سيتاتى عنها من مشروعات عمل مشتركة في حال صدق وجدية النية والعمل بالخصوص من كافة الأطراف.

إن جائحة «كوفيد 19» والانكماش الاقتصادي والتغير المناخي والصراعات قد أسهمت جميعاً في زيادة الجوع وسوء التغذية. إن التقرير الأخير للجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ هو الأخير ضمن سلسلة من التحذيرات، التي تظهر لماذا يجب على الحكومات اتخاذ قرارات فورية وجريئة من أجل التعامل مع التحديات التي نواجهها.

يجب على الحكومات على وجه الخصوص التركيز على تصحيح وتقليل الانحرافات، التي تثقل كاهل أسواق الأغذية والزراعة حالياً. لو استطاع صناع السياسات تحسين كيفية عمل تلك الأسواق فإن المنتجين والمستهلكين الأكثر ضعفاً سوف يكونون الأكثر استفادة.

إن من الواضح أن استمرار الوضع على ما هو عليه ليس خياراً، فطبقاً للتقديرات الأخيرة من وكالات الأمم المتحدة فإن من 720 مليوناً إلى 811 مليون إنسان واجهوا الجوع في سنة 2020 وبالإضافة إلى ذلك فإن انعدام الأمن الغذائي المعتدل أو الشديد قد ارتفع ببطء خلال السنوات الست الماضية، والآن يؤثر على شخص من بين كل ثلاثة أشخاص تقريباً على مستوى العالم. يجب علينا تغيير المسار لو أردنا تحقيق هدف التنمية المستدامة المتمثل في إنهاء الجوع وسوء التغذية بحلول نهاية العقد الحالي.

إن الزيادة المتوقعة في عدد سكان العالم لتصل إلى نحو 10 مليارات شخص بحلول سنة 2050 تجعل المسألة أكثر إلحاحاً. إن تحسين القواعد المتعلقة بالتجارة والأسواق يمكن أن يساعد في تحسين الأمن الغذائي، من خلال دعم الجهود لخلق الوظائف ورفع الدخل وتعزيز استدامة الإنتاجية الزراعية.

إن الأسواق التي تعمل بشكل أفضل سوف تعزز كذلك من مرونة وصلابة النظام الغذائي في مواجهة الاحتباس الحراري، مع تغير أنماط درجات الحرارة وهطول الأمطار وتصبح الظواهر المناخية الشديدة مثل الجفاف والفيضانات والعواصف أكثر تكراراً وشدة.

وفي الوقت نفسه فإن الزيادة الأخيرة في الجوع وسوء التغذية يجب أن يُنظر إليها في سياق التقدم المهم، الذي تم تحقيقه في ربع القرن الماضي وخلال هذه الفترة تم انتشال مئات الملايين من الناس من براثن الفقر وانعدام الأمن الغذائي، بينما ارتفع معدل الدخل وأصبحت الأسواق أكثر تكاملاً.

طبقاً لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة فلقد زادت التجارة في الأغذية والزراعة بأكثر من الضعف، من حيث القيمة الحقيقة منذ سنة 1995 مع نمو حصة التجارة بين الدول النامية بشكل سريع أيضاً ومؤخراً أسهمت التقنيات الرقمية الجديدة في حصول تحول في أسواق الأغذية والزراعة، وذلك من خلال زيادة الإنتاجية وتسهيل التجارة العابرة للحدود في البضائع والخدمات.

بالإضافة إلى ذلك فلقد قامت البلدان بالتفاوض والتوقيع على عدد متزايد من الاتفاقيات التجارية الثنائية والإقليمية، بينما تسعى إلى تحسين قدرتها على الوصول للأسواق وتعزيز التكامل مع الشركاء التجاريين- سواء في المناطق المجاورة أو الأماكن الأبعد، ولكن الجهود التي تبذل من أجل تحديث قواعد التجارة العالمية للأغذية والزراعة لم تتقدم إلا بشكل بسيط.

لقد أبرم وزراء التجارة خلال اجتماع في نيروبي سنة 2015 صفقة من أجل إنهاء الدعم للصادرات الزراعية، ما يعني الوفاء بالتزام واضح بموجب أهداف التنمية المستدامة، وقبل ذلك بعامين في بالي توصلت البلدان إلى اتفاقية برعاية منظمة التجارة العالمية في ما يتعلق بقضايا الطعام والزراعة الأخرى، وذلك كونها جزءاً من حزمة تجارية أوسع، ولكن هناك الكثير مما يتعين القيام به من أجل معالجة المشاكل المزمنة في أسواق الأغذية والزراعة، وضمان أن القواعد العالمية سوف تبقى مناسبة للغرض من إنشائها في المستقبل.

من المؤكد اننا معنيون بتكثيف اللقاءات والاجتماعت في الهيئات الدولية المتخصصة، لجعل منظمة التجارة العالمية تركز على جملة مواضيع تتعلق بأمن الغذاء العالمي والاستقرار والاستدامة وتختص بالتجارة الزراعية، بما في ذلك دعم السلع مثل القطن والقيود المفروضة على الصادرات الغذائية وتحدي تحسين قدرة المزارعين على الوصول للأسواق، إلى جانب القواعد التي تنظم شراء المواد الغذائية للمخزون العام وضمانات السلع الزراعية وقواعد الإجراءات التي تشبه دعم الصادرات، وفي جميع المجالات يعتبر الأهم تحسين الشفافية من خلال إتاحة الوصول للمزيد من المعلومات بسهولة من الأمور الحيوية، التي تشغل العديد من البلدان.

إن بإمكان دول العالم كافة، عبر ممثليها بالمنظمة وكذا بشتى المؤسسات العالمية التي تعنى بهذه القضايا، أن تتبنى إجراءات مهمة وذلك من خلال الموافقة على نتائج تتعلق بالأغذية والزراعة تساعد في إعادة بناء الثقة وتحدد المسار، لتحقيق تقدم، وتعمل على تحفيز المشاركة السياسية، وهذا سوف يمكننا من إعادة الثقة في قدرتنا الجماعية على التعامل مع التحديات التي نواجهها.

* سفيرة كوستاريكا لدى منظمة التجارة العالمية، ورئيسة الجلسة الخاصة للجنة الزراعة في المنظمة

opinion@albayan.ae

Email