أزمة المناخ بوصفها خطراً اقتصادياً وتهديداً مستمراً

بافلينا ر. تشيرنيفا

ت + ت - الحجم الطبيعي

سواء أدركت الحكومات في عالمنا، أم لم تفعل، فإن تكلفة التقاعس عن العمل أو التأخر عن اتخاذ الإجراءات في معالجة أزمة المناخ قد دخلت بالفعل في ميزانية كل بلد. ولا يمكن السماح للاستقامة المالية التي وُضعت في غير محلها أن تشل أجندة سياسية جريئة. وكما أشار رئيس لجنة الميزانية بمجلس النواب الأمريكي جون يارموث مؤخراً، قد تواجه الدول ذات السيادة المالية قيوداً على الموارد والتضخم، لكن لا يمكن أن ينفد التمويل. وهي ملزمة أخلاقياً بإطلاق خطة مارشال الخضراء العالمية.

سيظل المحتوى الدقيق للعدالة المناخية مجالاً متنازعاً عليه، حيث تتراوح المطالبات بين المطالب الأكثر تواضعاً لوظائف جيدة إلى رؤى أكثر راديكالية لإنهاء الرأسمالية الاستخراجية والإمبريالية الاقتصادية. وهناك طرق لا تعد ولا تحصى لترتيب الشؤون الاقتصادية البشرية. وسياسة ضمان العمل هي الركيزة الأساسية التي يمكن من خلالها بناء حلول للتحديات الاقتصادية التي تواجهنا.

إن الكوكب ليس زبوناً يدفع، وليس لدينا متسع من الوقت لتنظيم العائد التجاري «الصحيح» على الاستثمارات المتعلقة بالمناخ، أو حث الجهات الفاعلة الخاصة المناسبة، أو تحفيز الأسواق لمعالجة المشكلة. وبالنسبة لتحدي النسب الكوكبية الذي لا يقدم عائداً مالياً واضحاً، يجب على الحكومات أن تتصرف بجرأة ومباشرة، وبالتضافر لصياغة انتقال عادل للجميع.

وكما حذر علماء المناخ منذ فترة طويلة، حتى النماذج الأكثر تعقيداً لا تأخذ في الحسبان بصورة كاملة نقاط التحول المحتملة، وحلقات التغذية المرتدة، ومصادر الاحترار المخفية. وينطبق الشيء نفسه على النماذج الاقتصادية. وتخلق مشاكل مثل البطالة الجماعية، وعدم المساواة الشديدة، وغياب الوظائف الجيدة والمستقرة ديناميكيات ردود فعل ونقاط تحول خاصة بها. وفي الماضي، تضمنت هذه العوامل صعود الاستبداد، والشوفينية، وكراهية الأجانب، والتحيز، والتوتر العرقي والإثني، والانهيار الديمقراطي، وعدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والسياسي.

ستقضي أزمة المناخ على ملايين الوظائف قبل وقت طويل من قيام الروبوتات المثيرة للخوف بذلك، إذ تشير التقديرات إلى أن الإجهاد الحراري وحده سيقضي على ما يعادل 80 مليون وظيفة بدوام كامل بحلول عام 2030، دون احتساب تلك التي ستختفي نتيجة حرائق الغابات، والفيضانات، والعواصف، وغيرها من الظواهر الجوية المتطرفة. وسيحدث هذا في أعقاب اختفاء 255 مليون وظيفة على مستوى العالم في عام 2020، وهي ظاهرة لم يشهد التاريخ مثيلاً لها. ونظراً لعدم تطابق نطاق التطورات الأخيرة مع النماذج المناخية التنبئية، فإنه من المحتمل أن تكون خسائر العمالة المتوقعة المرتبطة بالمناخ قد قُدرت تقديراً ناقصاً أيضاً.

لقد كان من المفروض أن يتضح من خلال الصيف القاسي لهذا العام أنه لا وجود لمكان، أو شخص، أو وظيفة في مأمن من ويلات تغير المناخ. ومع ذلك، فالاقتصاديون في الولايات المتحدة قلقون بشأن الاقتصاد «المحموم»، ويتداولون ما إذا كان يتعين على صانعي السياسة تشديد شروط الائتمان، وتقليص وتيرة نمو العمالة والدخل من أجل مكافحة ارتفاع الأسعار الناجم عن اختناقات سلسلة التوريد، والاضطرابات القطاعية، لذا فالأسر العاملة لا تواجه خطر حدوث موجةٍ حرارية واحدة، بل موجتين، هما: النظرة التقليدية المفلسة القائلة بأن التضخم يجب محاربته بالبطالة، وموجة فقدان الوظائف التي تلوح في الأفق بسبب الاحتباس الحراري.

إن ضمان العمل هو دواء شافٍ لكلتا الموجتين، فهي سياسة توظيف عامة تضمن وظيفة لائقة بأجر يدعم الأسرة وبفوائد لأي شخص في حاجة إليها، وهي تؤدي هذه الوظيفة بطريقة تخفف من الضغوط التضخمية. وهي أيضاً أوضح إجابة للإجماع الدولي، المنصوص عليه في اتفاقية باريس للمناخ لعام 2015، على أن أي عمل مناخي يجب أن يدعم الالتزام «بضرورات الانتقال العادل للقوى العاملة، وخلق العمل اللائق والوظائف الجيدة بموجب أولويات التنمية المحددة وطنياً».

لذلك، عندما صاغ الكونغرس الأمريكي قرار الصفقة الخضراء الجديدة، وصف المراقبون المطلعون اقتراحه الخاص بضمان الوظائف الفيدرالية على أنه عنصر حاسم. كذلك، حدد بيان «العمل الديمقراطي» لعام 2020، الذي ظهر في 43 صحيفة بـ27 لغة حول العالم، الحق في العمل باعتباره مطلباً أساسياً ومكوناً حاسماً في إزالة الكربون عن الاقتصاد. كما اعترفت منظمة العمل الدولية رسمياً بالفكرة باعتبارها أفضل وسيلة لتشكيل «مستقبل عادل، وشامل، وآمن للعمل مع توفير العمالة الكاملة، والمنتجة، والمختارة بحرية، والعمل اللائق للجميع».

لا شك أن أزمة المناخ، سيكون لها تأثيرات صاعقة مضاعة على شتى الشؤون، فسياسة ضمان الوظيفة ستتقلب. والفرق هو أنه، على عكس عوامل الاستقرار الأخرى، لديها القدرة على المساعدة في إعادة تشكيل الاقتصاد.

ومع وجود برنامج ضمان الوظائف، لم يعد بإمكان الاقتصاديين تبرير البطالة على أنها «ضريبة طبيعية» لمكافحة التضخم. ولكن بدونه، سيبقى «العمل اللائق للجميع» شعاراً فارغاً، وستظل البطالة تهديداً دائماً. ولا يمكننا التحدث بجدية عن الدمج إذا استُبعد الأشخاص ذوو البشرة الملونة، ومقدمو الرعاية، وذوو الإعاقة، والشباب من الوظائف الجيدة بصورة منهجية.

وتحظى مقترحات برنامج ضمان العمل بشعبية كبيرة، ليس فقط لدى المنظمات المناخية الرائدة مثل حركة Sunrise (سانرايز) التي تلتف حوله، فقد بدأت مجتمعات تعدين الفحم في ولايتي «ويست فرجينيا» و«كنتاكي» ترى إمكاناتها التحويلية. ويقوم تحالف متنامٍ من الأفراد والمنظمات وقادة الحقوق المدنية في الولايات المتحدة، في ولايات نيو إنغلاند، وأبالاتشيا، وكاليفورنيا، بجعل هذه السياسة مطلباً مركزياً.

ويتمتع برنامج ضمان الوظيفة بنوع من الدعم من الحزبين.. بالكاد هناك برامج أخرى يمكن أن تطالب به. وفي استطلاع أجري عام 2020 في الولايات المتحدة، أيد 79 % من المستجوَبين من مختلف الفئات «الديموغرافية والحزبية والجنسانية» الفكرة، كما فعل 72 % من المشاركين في استطلاع للرأي في المملكة المتحدة أجري في نفس الوقت تقريباً. وفي فرنسا، يؤيد 79 % من الناخبين ضمان الوظائف الفيدرالية، وقد تمت المصادقة على السياسة من قبل رؤساء بلديات باريس وليل. وفي الآونة الأخيرة، أيد 93 % من المشاركين في الولايات المتحدة مبادرة وطنية للتوظيف والتدريب تخلق عملاً مدفوع الأجر للعاطلين عن العمل، باعتبارها عنصراً من جهود التعافي من فيروس كورونا.

وفضلاً عن ذلك، أظهرت أزمة كوفيد 19 أن التمويل ليس نادراً، إذ أقرت دولة تلو الأخرى ميزانيات كبيرة لمكافحة الوباء. وليس من قبيل المصادفة أن أكبر الزيادات في الإنفاق كانت في البلدان ذات السيادة المالية التي تصدر عملاتها وتتحكم فيها، وحيث يتم توفير التمويل الحكومي من قبل البنوك المركزية ووزارات المالية. وتراوح حجم جهود التحفيز في عام 2020 من 18.7 % من الناتج المحلي الإجمالي في كندا إلى 21.8 % في اليابان، و26.9 % في الولايات المتحدة. والبلدان التي تفتقر إلى السيادة النقدية لديها حيز مالي أقل بكثير للاستجابة للوباء، وهو تحدٍ سيعيق بالتأكيد استجاباتها المناخية أيضاً.

 

* أستاذة مشاركة بكلية بارد، شعبة اقتصاد، وباحثة في معهد ليفي للاقتصاد، ومؤلفة كتاب «The Case for a Job Guarantee»

opinion@albayan.ae

Email