أمريكا وسبل نجاح دعم الصناعات

تشانج تاي هسيه

ت + ت - الحجم الطبيعي

من السهل أن نفهم السبب وراء ترحيب صناعة أشباه المواصلات الأمريكية بمبلغ 52 مليار دولار. لكن إلى جانب الشك في مدى عدالة دعم شركات أمريكية ثرية تستخدم الرقائق الإلكترونية، فإن هذا الإجراء من شأنه أن يفضي إلى ذات النتائج التي انتهت إليها المليارات التي استثمرتها عالمياً في أشباه الموصلات، إذ سيؤدي هذا إلى ظهور شركات متخصصة في الحصول على أموال مجانية بدلاً من الاستثمار في تكنولوجيات ومنتجات جديدة، وسوف يتسبب في المزيد من تخلف صناعة أشباه الموصلات الأمريكية عن نظيراتها العالمية الرائدة.

التحدي الحقيقي المرتبط بالأعمال الذي يواجه الولايات المتحدة في مواجهة الصين يتمثل في المقايضة بين الأمن الوطني والفوائد المترتبة على التبادل الاقتصادي.. وأسوأ ما قد تفعله أمريكا في هذا الصدد هو أن تستن سياسات صناعية من ابتكارها.

الواقع أن الشركات الخاصة التي تهيمن الآن على الاقتصاد الصيني لم تنطلق إلا بعد أن أغلق رئيس الوزراء الأسبق تشو رونج جي أو خصخص مئات الآلاف من الشركات المملوكة للدولة في أوائل العقد الأول من القرن الحالي. حررت عمليات الإغلاق رأس المال للشركات الخاصة ومهدت الطريق أمامها للنمو. تُـرى هل يعتقد أي شخص بجدية أن الاقتصاد الصيني قد يصبح أقوى إذا تراجع صناع السياسات عن إصلاحات تشو وقرروا إحياء كل شركات الدولة القديمة الخاسرة؟

أو لنتأمل هوس الولايات المتحدة بما يسمى خطة الحكومة الصينية «صُـنِـع في الصين 2025»، التي تقضي بتوجيه إعانات الدعم إلى الشركات الخاصة العاملة في قطاعات «استراتيجية» مثل أشباه الموصلات. ولا تزال المداولات دائرة حول ما إذا كانت مليارات الرنمينبي التي تُـنـفَـق لدعم مثل هذه الصناعات لتثبت فعاليتها، لكن الأدلة حتى الآن غير مشجعة.

الشركة المهيمنة على صناعة أشباه الموصلات هي «شركة تايوان لصناعة أشباه الموصلات»، وليست الشركة الصينية الرائدة «شنغهاي لصناعة أشباه الموصلات». وحتى الآن، أسفرت المبالغ الضخمة التي استثمرتها الصين في هذا القطاع عن إخفاقات مذهلة مثل Hongxin Semiconductor، وظهور ما يقرب من 60 ألف شركة جديدة لا تمتلك الخبرة التكنولوجية، لكنها تسعى إلى الاستفادة من الدعم.

لم يكن نمو قطاع الأعمال في الصين مدفوعاً بدعم الشركات المملوكة للدولة أو السياسة الصناعية، بل كان مدفوعاً بدعم الحكومات المحلية القوي للشركات الخاصة، بما في ذلك هيونداي في بكين، وتيسلا وجنرال موتورز في شنغهاي. إذ يُـعَـد دعم الحكومات المحلية حاسماً بشكل خاص للشركات الصينية الخاصة.

تتنافس الحكومات المحلية الصينية بشراسة أيضاً بين بعضها بعضاً لاجتذاب الأعمال، وهو عامل حاسم في السماح للشركات الخاصة بالنمو. يعكس هذا التنافس بين الأمناء المحليين الأقوياء التابعين للحزب الشيوعي الصيني، الذين أصبح العديد منهم في نهاية المطاف أعضاء في المكتب السياسي للحزب الشيوعي الصيني. في المقابل، يكاد وزراء الحكومة المركزية الذين يديرون السياسة الصناعية والشركات المملوكة للدولة لا يصلون أبداً إلى مستويات الحزب العليا.

إذا أرغمت الولايات المتحدة الصين على تفكيك دعمها للشركات المملوكة للدولة والتراجع عن سياستها الصناعية، فلن تنجح إلا في إزالة القيود والأصفاد عن القطاع الخاص، مما يزيد من احتمالية ظهور شركات خاصة مبدعة أخرى، يدعمها أمناء الحزب على المستوى المحلي، لتحدي الشركات الأمريكية.

لكن يبدو أن استراتيجية الولايات المتحدة تركز بدلاً من ذلك على محاكاة ما ليس فاعلاً في جوانب السياسة الصناعية الصينية.

 

* أستاذ الاقتصاد في كلية بوث لإدارة الأعمال في جامعة شيكاغو

opinion@albayan.ae

Email