أدبيات ورؤى فاعلة في الحرب على الإرهاب

خافيير سولانا

ت + ت - الحجم الطبيعي

هناك دروس كثيرة لا بد للغرب أن يستخلصها من الإرهاب في عالمنا، وكافة الإجراءات والمواجهات التي اتخذت في سبيل مواجهته، وخاصة في ضوء وعقب أهوال كارثة هجمات 11 سبتمبر، ولا بد أن تكون كافة الإخفاقات التي نشهدها حالياً في سياق هذه العملية، بمثابة الدروس التي تعلمنا وترشد طريقنا للتخلص من الكثير من العقد في تعاملنا وأيضاً لتصحيح الأخطاء المقترفة جراء تصرفات الدول الغربية التي أخذت تؤدي إلى ردات فعل خطرة وتنتج الضغينة بين الدول. ومن المؤكد أن أهم وأول الدروس التي يجب أن نتعملها هنا، أن القوة العسكرية ليست طريقة عاقلة لتغيير الأنظمة الحاكمة، والتي تصنف بكونها إرهابية، بشكل فَـعّـال ودائم، ذلك خصوصاً وأن الغرب قد فشل تماماً في إنشاء دول ديمقراطية حديثة في الكثير من الدول التي شن عليها الحملات لاستئصال شأفة الإرهاب. إننا هنا وبعد ممارسات وتجارب كثيرة حدثت، علينا أن نتأكد تماماً من أن إنشاء وجود عسكري ما في كيان دولة ما نواجه الإرهاب فيها وكذا ضخ الموارد إلى بلد ما، يُـفضيان حتماً إلى تحقيق الأمن، والتنمية، والحكم الديمقراطي.

علينا أن نعي جيداً أن الحرب على الإرهاب والعمل على بناء الدولة الديمقراطية في بقاع العالم، يجب أن يقترنا باستراتيجيات إقليمية وتنموية ومساعدات حيوية تعين الدول الهشة لتستطيع النهوض اقتصاديا واجتماعيا.

في عموم الأمر، وفي صلب حلقات مواجهات الغرب مع الإرهاب في شتى بقاع العالم، كان من الواجب الانتباه إلى أن فكرة القدرة على إحلال مؤسسات جديدة في محل المؤسسات القائمة في بلد يعاني من الإرهاب، هي ببساطة، ليست سوى تصورات غير معقول وغير واردة، فالعملية تتطلب تغييراً بنيوياً جذرياً في طبيعة فكر الناس وحثهم على الانخراط بعملية التنمية المجتمعية. إن أغلب الدول تُـبنى بشكل تدريجي ومن خلال جهود داخلية تقوم على التعاون والتسوية في فترات طويلة من الزمن، وليس من خلال إملاءات أجنبية. ومن المؤكد أن المحاكاة والإغواء أقوى كثيراً من القوة والإكراه.

إن جميع دول العالم مطالبة بالمشاركة الفاعلة في هذا الصدد، ويجب أن يكون التعاون الدولي في الخصوص، مرتكزاً على أجندات حقيقية مثمرة لا تدخل فيها أية حسابات سياسية ولا تؤثر عليها تنافسات الدول وأية معارك باردة بين أقطاب عالمنا، فالمهمة حساسة وهي تتمثل في محاربة فكر خطر يؤدي لانتشار الدمار والشقاق في عالمنا.

حين نعود إلى زمن هجمات الحادي عشر من سبتمبر الإرهابية ونفتش بما حدث وما أفرزه، كي ندرك مدى وحجم الصدمة وكم الرعب الذي عم، سنتثبت من الحاجة إلى ضرورة مواجهة الإرهاب بالفكر والعمل قبل العمل العسكري، ويجب علينا أن نسأل أنفسنا الآن، وبعد عقدين، هل حقاً فعلنا في الغرب ما هو صائب ونافع ومجد في سبيل بتر جذوة الإرهاب بالعالم، فكراً وتنظيماً؟

الواقع، إن امريكا تخلفت عن الكثير من المسؤوليات في مهامها لنشر الديمقراطية، وأدت تدخلاتها في دول كثيرة إلى آثار عكسية خطرة. كما أن تحول سياسة أمريكا الخارجية بعيداً عن العمل كمراقب وحارس للعالم من شأنه أن يحمل أوروبا على التفكير بقدر أكبر من الجدية في اعتمادها على قدرات وسياسات الولايات المتحدة. وربما كشف حضورها الهش في أماكن محددة بعالمنا مدى الاستهتار وعدم الدقة في الخطط المعمول بها في هذا الشأن.

على الرغم من أن العالم تغير بشكل كبير خلال السنوات العشرين الأخيرة، فإن قضية الإرهاب الدولي لا تزال بعيدة عن الحل. على سبيل المثال، يجب أن يـحـملنا الوضع الأمني المقلق في عدة مناطق بعالمنا تعاني ويلات الإرهاب، على التأمل في مسار العمل الواجب اتخاذه في المستقبل. لكن شيئاً واحداً يجب أن يكون واضحاً: «الحروب الأبدية» من غير الممكن أن تستمر، وخاصة بالنسبة إلى أولئك الذين يتعين عليهم أن يتحملوها. كنا جميعاً أمريكيين بعد الحادي عشر من سبتمبر، لكننا نسينا أن نكون جميعاً من أنصار الشعوب المبتلاة بالإرهاب بوصفه يحكم المجتمع ويسير عقول الكثيرين.

 

* الممثل الأعلى الأسبق للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية في الاتحاد الأوروبي، وأمين عام منظمة حلف شمال الأطلسي ووزير خارجية إسبانيا سابقاً. يشغل حالياً منصب رئيس EsadeGeo ــ مركز أبحاث الاقتصاد العالمي والدراسات الجيوسياسية، وهو زميل متميز لدى مؤسسة بروكنجز

opinion@albayan.ae

Email