مسارات «النقد الدولي» ومواجهة «كورونا» المصيرية

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

تبقى جائحة (كوفيد 19)، التحدي الأبرز في عام 2021. وإذا فشل صندوق النقد الدولي وأعضاؤه في التصدي له، فلن يُـنـظَـر إلى أي من مقترحاتهم حول كيفية التصدي لتحديات العقود المقبلة، المرتبطة بتغير المناخ والاستدامة ومكافحة الفقر والانتعاش الاقتصادي، وغير ذلك، على أنها معقولة. فهناك أولوية وجودية حقيقية، وهناك تهديد خطير يواجه البشرية، لا بد من مواجهته بحزم، من شتى المؤسسات الدولية، وكذا الدول.

في شهر أغسطس، المنقضي، أعلن صندوق النقد الدولي، وسط ضجة إعلامية كبيرة، أن أعضاءه توصلوا إلى اتفاق تاريخي، يقضي بإصدار 650 مليار دولار من حقوق السحب الخاصة (وحدة الحساب في صندوق النقد الدولي)، لمواجهة حالة الطوارئ التي تفرضها جائحة «كورونا».

حقوق السحب الخاصة، عبارة عن مطالبات محاسبية تستطيع الحكومات، بفضل المساعي الحميدة التي يبذلها صندوق النقد الدولي، تحويلها إلى دولارات وعملات صعبة أخرى، لسداد تكاليف واردات أساسية، مثل اللقاحات. الحق أن مبلغ 650 مليار دولار ليس بسيطاً: فهو يقرب من 1 % من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. ومن الممكن أن يحدث هذا فارقاً كبيراً في البلدان الفقيرة المتأثرة بالفيروس.

تكمن المشكلة في أن حقوق السحب الخاصة، تُـخَـصَّـص وفقاً لحصص البلدان، أو حقوق الاقتراض التلقائي، داخل صندوق النقد الدولي، وتعتمد صيغة الحصص بشكل كبير، على مجموع الناتج المحلي الإجمالي للبلدان.

نتيجة لهذا، ذهب نحو 3 % فقط من أصل 650 مليار دولار، إلى بلدان منخفضة الدخل، و30 % فقط إلى الأسواق الناشئة المتوسطة الدخل. وجرى تخصيص ما يقرب من 60 % لبلدان مرتفعة الدخل، لا تواجه نقصاً في الاحتياطيات من العملات الأجنبية.

كان الأمل أن تتمكن الحكومات وصندوق النقد الدولي، من التوصل إلى طريقة تتمكن البلدان المرتفعة الدخل من خلالها، من تحويل جزء من حصصها في حقوق السحب الخاصة إلى البلدان النامية التي تحتاج إليها. حتى الآن، لا يوجد ما يشير إلى إحراز أي تقدم في هذا الاتجاه.

إن السوابق ليست مشجعة. منذ عام 1965، عندما بدأت المناقشات الجادة لإنشاء حقوق السحب الخاصة، ومن ثم

في الفترة من 1972 وإلى 1973، إذ اقترح متحدثون باسم البلدان النامية، ما عُـرِفَ بعد ذلك على أنه «حلقة الوصل». فقد تصوروا صفقة تحصل بموجبها الاقتصادات المتقدمة على نظام نقدي دولي معدل، حيث تؤدي حقوق السحب الخاصة، الوظيفة التي ينفذها الدولار، في إطار نظام بريتون وودز، الذي انتهى وجوده الآن، وتحصل البلدان النامية في مقابل دعمها، على القسم الأعظم من تخصيص حقوق السحب الخاصة التالي، وعقبها ما حدث عام 2009، في الاستجابة للأزمة المالية العالمية، خصصها صندوق النقد الدولي مرة أخرى، وفقاً لحصص الأعضاء.

لماذا قد تكون هذه المرة مختلفة؟ كان الهدف من التخصيصات السابقة، تعزيز استقرار النظام النقدي الدولي، وسيولة الأسواق المالية الدولية. هذه في الأساس مشكلة البلدان الغنية. اليوم، على النقيض من ذلك، أصبح مبرر التخصيص، تخفيف القيود المالية التي تواجه جهود مكافحة الجائحة. وفي البلدان الفقيرة، تكون هذه القيود موجِعة. وحكومات البلدان الغنية تعلم هذا ــ أو ينبغي لها أن تعلم.

كيف يمكن إذن تنفيذ عملية نقل الموارد. يضم صندوق النقد الدولي بالفعل، مرفق الحد من الفقر والنمو، الذي يقدم قروضاً ميسرة، بأسعار فائدة عند مستوى الـصِـفر، إلى البلدان المنخفضة الدخل. وبوسع البلدان المرتفعة الدخل، التي تقدم القروض بالفعل لمرفق الحد من الفقر والنمو، أن تستخدمه لإعادة تدوير حصصها في حقوق السحب الخاصة. لكن يتعين على البلدان المقترضة، أن تتفاوض على البرامج مع صندوق النقد الدولي، وهو أمر مثير للجدل، ويستهلك الوقت، وتخضع القروض بموجبه لشروط تفصيلية.

ولأن مرفق الحد من الفقر والنمو، يقدم قروضاً لا تتجاوز قيمتها 2 مليار دولار في أي عام عادي (9 مليارات في عام 2020)، فيبدو أن إعادة تدوير 400 مليار دولار، هي حصة البلدان الغنية في حقوق السحب الخاصة، أو حتى جزء منها، تفوق طاقة هذا المرفق.

ولكن لدينا بديلان أفضل. أولاً، من الممكن أن يتفق المساهمون في صندوق النقد الدولي، على إنشاء صندوق ائتماني مخصص لمكافحة جائحة (كوفيد 19). ويجب أن تكون الشروط المرتبطة بقروضه مقتصرة على التحقق من أن الحكومات تستخدم هذا الاقتراض الميسر، للحصول على اللقاحات، وغير ذلك من مدخلات الخدمات الصحية، وإدارتها بشكل عادل وفَـعّـال. ولن تكون المراقبة الفعالة صعبة.

ثانياً، يستطيع الأعضاء إعادة تدوير حصصهم في حقوق السحب الخاصة، بوساطة من صندوق النقد الدولي، إلى بنوك التنمية الإقليمية، المرخص لها بالفعل حيازة حقوق السحب الخاصة، وتحويلها إلى دولارات وعملات صعبة أخرى. وبهذا، يصبح من الممكن تجنب مركزية عملية الإقراض في واشنطن العاصمة.

Email