أخطار حقيقية تهدد الثروة السمكية في عالمنا

نجوزي أوكونجو إيويالا

ت + ت - الحجم الطبيعي

من خلال التفاوض من أجل التخلص من إعانات الدعم الضارة بمصايد الأسماك، لم يكتف أعضاء منظمة التجارة العالمية باحترام التزاماتهم السابقة، بل إنهم يعطون زخماً لجهود دولية أخرى لمعالجة المشكلات في المشاعات العالمية ــ من تغير المناخ إلى جائحة مرض فيروس «كورونا» 2019. ونأمل أن يرتقي وزراء التجارة في العالم إلى مستوى التحدي.

لا يحصل المفاوضون التجاريون عادة على الفرصة لحماية المستضعفين من الناس وسبل معايشهم، وفي الوقت ذاته تعزيز صحة المحيطات، وتلبية أحد أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، لكن هذه على وجه التحديد الفرصة، التي تنتظر وزراء التجارة عندما يجتمعون دوماً لمناقشة قواعد عالمية جديدة، للحد من الدعم الحكومي المقدم إلى صناعة صيد الأسماك.

تحفز إعانات الدعم العامة هذه الصيد الجائر، وكان أعضاء منظمة التجارة العالمية يناقشون كيفية الحد من هذه الإعانات طوال 20 عاماً حتى الآن.

خلال هذين العقدين الطويلين، انخفضت المخزونات السمكية العالمية بشكل حاد، وعانى الصيادون المحترفون الفقراء والمستضعفون، وعانت أنظمة المحيطات البيئية.

في عام 2017، حذرت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) من أن ما يقدر بثلث مخزون الأسماك العالمي يعاني من الصيد الجائر، بزيادة من 10% في عام 1970 إلى 27% في عام 2000. يهدد استنفاد المخزونات السمكية الأمن الغذائي في المجتمعات الساحلية المنخفضة الدخل وسبل معايش الصيادين الفقراء والمستضعفين، الذين يضطرون إلى السفر لمسافات متزايدة البعد عن الشواطئ للعودة بمقادير متزايدة الضآلة من الصيد. على الرغم من هذه النتائج المزعجة، تواصل الحكومات توزيع نحو 35 مليار دولار في هيئة إعانات دعم سنوية لمصائد الأسماك، ويذهب ثلثا هذا المبلغ إلى صيادين تجاريين، وبهذا تعمل الحكومات على الإبقاء على عدد كبير من السفن التجارية في البحر، والتي كانت لتصبح غير مجدية اقتصادياً لولا إعانات الدعم.

أدرك قادة العالم خطورة المشكلة في عام 2015 عندما وافقوا على صياغة اتفاق بشأن إعانات دعم مصايد الأسماك بحلول عام 2020 كونها جزءاً من أجندة التنمية المستدامة، ولكن في حين أعاد وزراء التجارة التأكيد على هذا التعهد في عام 2017، فقد تعثرت المحادثات في منظمة التجارة العالمية مراراً وتكراراً، ولكن على مدار العام الفائت، بدأت الأمور تتحول في اتجاه آخر.

يخبرني قادة سياسيون ووزراء تجارة من مختلف أنحاء العالم أنهم يريدون إبرام اتفاق هذا العام، وفي جنيف، عمل رئيس هذه المفاوضات، سفير كولومبيا سانتياجو ويلز، مع أعضاء منظمة التجارة العالمية على صياغة نص تفاوضي أعتقد أنه من الممكن أن يوفر الأساس لمحادثات المرحلة النهائية، ولكن على الرغم من الدعم السياسي، الذي أعرب عنه قادة الحكومات، لا تزال انقسامات كبرى قائمة.

الواقع أننا أصبحنا عُـرضة لخطر الفشل في إبرام اتفاق قبل المؤتمر الوزاري، الذي تعقده منظمة التجارة العالمية في نهاية العام.

تمثل اجتماعات الأمم المتحدة في هذا الخصوص، فرصة ذهبية لجعل المفاوضات أقرب إلى التوصل إلى اتفاق. يتعين على أعضاء منظمة التجارة العالمية أن ينتهوا من إبرام اتفاق في الوقت المناسب، بالتزامن مع انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة للتنوع البيولوجي في أكتوبر، وفي موعد لا يتجاوز نهاية نوفمبر، عندما يبدأ الاجتماع الوزاري لمنظمة التجارة العالمية. والفشل في القيام بذلك من شأنه أن يعرض للخطر التنوع البيولوجي للمحيطات واستدامة المخزونات السمكية، التي يعتمد عليها كثيرون للحصول عل الغذاء والدخل.

صحيح أن المحادثات معقدة، لأن الأسماك لا تسكن أرضاً بعينها ولا تحترم حدوداً وطنية. يتعين على مفاوضي منظمة التجارة العالمية مراعاة الإطار الحالي لقواعد مصايد الأسماك الدولية، والدور الذي تضطلع به الهيئات التنظيمية، التي تحكم العديد من جوانب الصيد في مختلف أنحاء العالم، كما يتعين عليهم تحديد كيفية تطبيق قواعد الدعم على سفن الصيد المنتشرة على مساحة واسعة.

ما يزيد التحدي تعقيداً حقيقة مفادها أن منظمة التجارة العالمية ليست منظمة لإدارة مصايد الأسماك، لكن منظمة التجارة العالمية لديها إطار عمل طويل الأمد من القواعد، التي تحد من إعانات الدعم المقدمة للسلع الصناعية والتجارية، والتي تشوه التجارة، لهذا السبب وافق وزراء التجارة في عام 2001 على اتخاذ تدابير مماثلة لحماية مصايد الأسماك البحرية.

رغم أن الطريق لا يزال طويلاً، فإن مسودة النص التفاوضي الحالية من شأنها أن تقدم مساهمة كبيرة في دعم استدامة محيطاتنا.

تتلخص واحدة من أصعب القضايا في المفاوضات بالشأن في الخصوص، في كيفية تحديد واحترام الالتزام التفاوضي الأصلي، الذي يضمن المعاملة الخاصة التفضيلية للبلدان النامية ــ وخصوصاً البلدان الأقل نمواً. تعتمد أكثر هذه البلدان على الصيد الاحترافي على نطاق صغير، وهي تسعى إلى إيجاد حيز سياسي أكبر، لتطوير قدراتها الصناعية في مجال صيد الأسماك، ولكن نظراً لضعف قدرتها في ما يتصل بإدارة مصايد الأسماك، فقد تواجه صعوبات جمة في تنفيذ أنظمة دعم جديدة بسرعة وفعالية بقدر ما في وسع الأعضاء الموسرين. تتمثل قضية صعبة أخرى في ضمان الشفافية، في ظل متطلبات تفرض على العضو تقديم إشعار عند نشر إعانات دعم غير ضارة وغير مسببة للتشوهات لتشجيع صناعة الصيد، لن يكون التصدي لهذه القضايا بالمهمة السهلة، لكن التصدي لها واجب حتمي.

* وزيرة المالية ووزيرة الخارجية في نيجيريا سابقاً، والمديرة الإدارية للبنك الدولي سابقاً، وتشغل حالياً منصب المدير العام لمنظمة التجارة العالمية.

opinion@albayan.ae

Email