مضاعفة جهود التطعيم لمواجهة المتحورات

كارل بيلت - رئيس وزراء السويد ووزير خارجيتها سابقاً

ت + ت - الحجم الطبيعي

تنبئ الأزمات العالمية الحالية، بأنه يتعين على كل الحكومات أن تتعامل بجدية شديدة مع حقيقة مفادها أن «لا أحد سيكون بمأمن قبل أن يصبح الجميع آمنين». الواقع أن النجاحات الوطنية في دحر الجائحة قد تنقلب إلى فشل بسرعة بسبب الإخفاقات الوطنية في مكافحتها في أماكن أخرى. ولا ينبغي لنا أن ننتظر إلى أن ندرك هذه الحقيقة بالطريقة الصعبة.

في حين بدأت حالة من التراخي والرضا عن الذات بين البلدان الأكثر ثراءً والأكثر تطعيماً لسكانها، تحلق سحابة من اليأس فوق البلدان الأدنى دخلاً التي تفتقر إلى الوسائل اللازمة لمكافحة متحوّرات الفيروس الجديدة. بعد إصدار تقارير تفيد انخفاض أعداد الإصابات الجديدة لسبعة أسابيع متعاقبة، تسجل منظمة الصحة العالمية الآن زيادة في أعداد حالات الإصابة المؤكدة في كل مكان تقريباً.

في تحديثها الأسبوعي لتقرير الحالة الوبائية في السادس من يوليو، على سبيل المثال، وجدت المنظمة أن هناك زيادة بنسبة 30 % في حالات الإصابة بـ«كوفيد 19» في أوروبا، حتى برغم أن الاتحاد الأوروبي سَـلَّـمَ ما يكفي من جرعات اللقاح لتحصين 70 % من كل البالغين.

السبب وراء هذه الطفرة العالمية الجديدة معروف تماماً. يُـعَـد المتحور دلتا، الذي جرى رصده في 111 دولة الآن، أشد عدوى بشكل ملحوظ من السلالات السابقة من SARS-CoV-2، وهو ينتشر بسرعة شديدة. يُـذَكِّـرنا ظهور متحورات جديدة بأننا نتعامل مع كائن حي قادر على التطور، وسوف يتطور، في الاستجابة للتدابير (وأنصاف التدابير) التي نستخدمها لمحاربته.

في حين كان المتحوران ألفا وبيتا أقل صعوبة وتعقيداً، فقد أثبت المتحور دلتا كونه شديد الشراسة، ولا أحد يستطيع أن يجزم بما قد تجلبه لنا الطفرات المتحورة في المستقبل.

مع تزايد نسبة السكان الذين يتلقون اللقاحات في أوروبا وأمريكا الشمالية، يجري تخفيف عمليات الإغلاق، وإلزام ارتداء الأقنعة، وغير ذلك من التدابير، مما يؤدي إلى نتائج مؤسفة لكنها متوقعة. اضطر رئيس الوزراء الهولندي مارك روته أخيراً إلى الاعتذار بعد ارتفاع معدل الإصابة بعدوى المرض بسرعة في بلاده، ومن غير المرجح أن يكون آخر زعيم يجد نفسه في مثل هذا الموقف.

ما يزيد الطين بلة أن البلدان الغنية لا تزال عازفة عن زيادة جهودها وتقديم المساعدة. بعد اجتماعات متعددة لمجموعة السبع ومجموعة العشرين، لم يغلق المجتمع الدولي فجوة التمويل بقيمة 16 مليار دولار لمرفق التعجيل بالوصول إلى أدوات «كوفيد 19»، آلية التنسيق الدولية للوصول العادل إلى اللقاحات.

ورغم أن البلدان الغنية أصبحت راضية عن ذاتها، فإن العديد من البلدان الأخرى تزداد يأساً، بسبب نقص اللقاحات، وأجهزة التنفس، والأكسجين، وإمدادات الاختبار والتسلسل. ومع انتشار المتحور دلتا، أصبحت في حالة من التخبط.

في السادس من يوليو، حَـذَّر توجيه فني صادر عن منظمة الصحة العالمية بشأن «كوفيد 19» من أن هناك أكثر من 20 دولة «تشهد نمواً هائلاً في حالات الإصابة... في مختلف مناطق العالم». ولأن معدلات التطعيم في العديد من هذه البلدان منخفضة، فمن المؤكد أن هذا سيتبعه ارتفاع في حصيلة الوفيات.

تشهد مشكلة المتحورات على الطبيعة العالمية التي تتسم بها هذه الأزمة. ورغم التعرف على الفيروس لأول مرة في الصين، فقد جرى التعرف على المتحورات الأربعة المثيرة للقلق في مناطق متباعدة، في جنوب أفريقيا، والبرازيل، والمملكة المتحدة، والهند. كُـشِـفَ عن المتحور لمبادا لأول مرة في بيرو.

ولأن المتحور التالي قد يأتي من أي مكان، فإن الوقت الآن ليس مناسباً لتخفيف استجابتنا. وإذا كان لنا أن نتمكن من تجنب الموجات المتعاقبة من المتحورات الجديدة، فيتعين علينا أن نضاعف جهود التطعيم العالمية.

 

Email