الاتحاد الأوروبي ومتاهات التوسّع شرقاً

دارون اسيموغلو

ت + ت - الحجم الطبيعي

كلما استمر الاتحاد الأوروبي في معاملة هنغاريا كدولة ديمقراطية طبيعية، كلما زاد الضرر الذي سيلحقه بصورته وسمعته. يتوجب على الاتحاد الأوروبي البدء في عملية تغيير أحكامه وقواعده وذلك حتى يتمكن من اتخاذ إجراءات ضد هنغاريا وبولندا وحتى لو حاولت تلك البلدان استخدام حق الفيتو، علماً أن على الاتحاد الأوروبي تفعيل المادة السابعة من معاهدة الاتحاد الأوروبي من أجل تعليق حقوق التصويت التي تتمتع بها هنغاريا ومن ثم إيقاف إرسال أموال الاتحاد الأوروبي لها مع استمرار النظر في أفضل طريقة لإنهاء عضويتها وفي حالة لم تحصل معجزة في آخر لحظة بعودة هنغاريا إلى الديمقراطية، يجب إخراجها من الاتحاد الأوروبي من أجل بقاء المشروع الأوروبي.

لقد استمرت هنغاريا وبولندا خلال العقد الماضي في أوروبا بتقويض حكم القانون والمؤسسات الديمقراطية والتي من المفترض أن تكون في قلب المشروع الأوروبي. إن «الديمقراطية غير الليبرالية» المزعومة لرئيس الوزراء فيكتور أوربان هي تسمية خاطئة ففي واقع الأمر لم يعد هناك أي ديمقراطية يمكن الحديث عنها، لقد أصبحت المحاكم بشكل متزايد تحت سيطرة حزب أوربان «فيدس» ولم يتبق للإعلام أي حرية تذكر كما تتعرض منظمات المجتمع المدني لتهديد مستمر.

أما في بولندا فإن الحزب الحاكم السلطوي الآخر «حزب القانون والعدالة» قد سار وبشكل علني على خطى أوربان وعلى الرغم من أنه لم يتمكن بعد من إخضاع المجتمع المدني والمعارضة بالدرجة نفسها، إلا أنه يقوّض وبشكل مطرد المؤسسات الديمقراطية في البلاد.

من منظور الاتحاد الأوروبي فإن رفض الدولتين المشاركة في مكتب المدعي العام الأوروبي الجديد يجب أن يكون القشة التي قصمت ظهر البعير.. لم يكن مفاجئاً أن تكون هناك أدلة كثيرة تورّط حزبي فيدس والقانون والعدالة بمثل تلك التجاوزات. إن رفض هنغاريا وبولندا الاعتراف بسلطة مكتب المدعي العام الأوروبي يعتبر استهزاءً بالمشروع الأوروبي .

ولم يعد هناك أدنى شك بأن الجهد الغربي لفرض الديمقراطية وحكم القانون بالقوة ومن خلال المساعدات الأجنبية قد فشل ومن الآن فصاعداً يتوجب على الدول الغربية أن تكون مثالاً يحتذى به، وكما قال الرئيس الأمريكي جيمي كارتر في خطابه خلال حفل تنصيبه رئيساً: «إن أفضل طريقة لتعزيز الحرية في البلاد الأخرى هو إظهار أن نظامنا الديمقراطي يستحق تقليده».

لقد كانت القارة عند انتهاء الحرب العالمية الثانية تعاني من الدمار كما كانت منهكة اقتصادياً بسبب إنفاق كل مواردها على التسليح وبينما كانت أمريكا مليئة بالتقنيات الحديثة مثل الثلاجات والتدفئة المركزية والسباكة الداخلية وأنظمة النقل المدني، فإن تلك التقنيات لم تكن موجودة على الإطلاق في أوروبا.

ولكن وكما نعرف الآن فلقد ساد السلام وازدهرت الديمقراطية وأصبحت تضرب بجذورها في جميع أرجاء أوروبا الغربية باستثناء إسبانيا والبرتغال . أما اقتصادياً فلقد تحسن الوضع بشكل لا يصدق تقريباً حيث أصبحت فترة العقود الثلاثة التي تلت الحرب تعرف باسم «الثلاثين سنة المجيدة».

وفي المراحل اللاحقة كان يعتبر توسع الاتحاد الأوروبي في وسط وشرق أوروبا نجاحاً أيضاً، حيث كان من الصعب تصور أن تتمكن هنغاريا وتشيكوسلوفاكيا وبولندا ودول البلطيق من تحقيق هذا التحول الديمقراطي السريع من دون إمكانية الانضمام للاتحاد الأوروبي والحصول على التمويل منه كما كان من غير المحتمل كذلك أن تظهر بولندا كواحدة من أسرع الاقتصادات نمواً من دون الاتحاد الأوروبي.

لكن التوسع نحو الشرق يبدو الآن وكأنه نقطة ضعف أوروبا فلقد أصبحت هنغاريا وبولندا ترمزان لاختلال الاتحاد الأوروبي وضعفه المؤسسي.

* أستاذ الاقتصاد في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا

opinion@albayan.ae

Email