إفريقيا ومسؤولياتها في مكافحة الوباء

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

تشير خطة تصنيع الأدوية في أفريقيا، إلى أن برنامج التنسيق التنظيمي للأدوية الأفريقية، الذي أنشأته وكالة التنمية التابعة للاتحاد الأفريقي في عام 2009 من أجل معالجة نقاط الضعف التنظيمية التي تؤثر على صناعة الأدوية في إفريقيا، يعد أيضاً أمراً بالغ الأهمية لنجاحها. وتشمل إنجازات البرنامج حتى الآن القانون النموذجي للاتحاد الأفريقي بشأن تنظيم المنتجات الطبية، ومنتدى الأجهزة الطبية الأفريقية، والتقدم نحو إنشاء وكالة الأدوية الأفريقية.

ويتلقى برنامج التنسيق التنظيمي للأدوية الأفريقية الدعم من قبل عدد من المنظمات الدولية، بما في ذلك الاتحاد الأفريقي، ومنظمة الصحة العالمية، وغافي، ومؤسسة بيل وميليندا غيتس. وتعمل المؤسسات متعددة الأطراف مثل الاتحاد الأفريقي، ومنظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية أيضاً مع اتحاد جمعيات مصنعي الأدوية الأفارقة، الذي أطلق عام 2013 من قبل مجموعة من الاتحادات الإقليمية لتعزيز مهمة البرنامج.

ويجب على المؤسسات والمبادرات متعددة الأطراف أن تفعل المزيد لسد فجوة التنفيذ وتسريع تنمية صناعة الأدوية في إفريقيا. وهذا يعني، على سبيل المثال، تعزيز بناء القدرات ونقل المعرفة والتنسيق بين القطاعات؛ ودعم التنفيذ الصارم لمشروع منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية؛ وتعبئة الموارد المالية من المؤسسات المالية الدولية وبنوك التنمية؛ والتعاون عبر البلدان لتعزيز رأس المال البشري.

لقد تلقت هذه الجهود دفعة أثناء الوباء. ويجب على القادة الأفارقة والمنظمات الاستفادة من هذا الزخم إلى أقصى حد لضمان أن تكون إفريقيا جاهزة أثناء الأزمة القادمة.

خلال الجائحة، قادت البلدان الغنية عمليتي التطوير والإنتاج السريعتين للقاحات (كوفيد 19). ثم اشترت الدول نفسها تلك اللقاحات ووفرتها لسكانها، بل وطلبت جرعات معززِة للأشخاص الذين خضعوا بالفعل للتطعيم. وفي غضون ذلك، لم تتمكن العديد من البلدان النامية من تقديم وَلَوْ جرعة واحدة لمعظم سكانها.

وتعاني أفريقيا، على وجه الخصوص، الأمَرّين مع مخزونها المحدود من لقاحات (كوفيد 19). فمنذ 31 أغسطس الفائت، قدمت الدول الأفريقية 94 مليون جرعة، مما مجموعه 134.5 مليون من الإمدادات، لسكان القارة البالغ عددهم ما يقارب 1.4 مليار نسمة. وبالمقابل، قدمت الولايات المتحدة - التي يبلغ عدد سكانها 332 مليون نسمة - أكثر من 375 مليون جرعة لقاح.

ويعكس هذا التفاوت إلى حد ما عدم قدرة معظم البلدان الأفريقية على إنتاج اللقاحات اللازمة لحماية سكانها، ليس فقط من (كوفيد 19)، ولكن أيضاً من عدد لا يحصى من الأمراض الأخرى التي ابتُليت بها القارة. ويوجد في أفريقيا فقط أربعة مصنعين محليين للقاحات المكونة من المواد الدوائية - وهناك اثنان آخران قيد التطوير - وهناك منشأتان متخصصتان في «تعبئة اللقاح وإتمامه ليصبح جاهزاً»، وهما تعتمدان على مواد لقاح مستوردة لإنتاج جرعات قابلة للتوزيع. وأظهرت اضطرابات سلسلة التوريد أثناء جائحة (كوفيد 19) مدى خطورة هذا الاعتماد على واردات الإمدادات الطبية الحيوية.

وتعتمد إفريقيا اعتماداً شبه كلي على واردات اللقاحات، حيث تنتج 1% فقط من اللقاحات التي تستخدمها. ومنذ بداية الوباء إلى الآن، تلقت البلدان الأفريقية معظم جرعات اللقاح من خلال الاتفاقيات الثنائية أو مرفق الوصول العالمي للقاح (كوفاكس)، وهي مبادرة أطلقتها منظمة الصحة العالمية والتحالف العالمي من أجل اللقاحات والتصنيع العام الماضي. ويهدف (كوفاكس) إلى توفير اللقاحات لـ20% من الأشخاص في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل.

إلا أنه رغم الحاجة الواضحة لمبادرات مثل (كوفاكس) لتلبية احتياجات إفريقيا قصيرة الأجل، فإنها لن تفعل الكثير لتحسين قدرة القارة على توفير اللقاحات الأساسية لنفسها في المستقبل. لهذا السبب تعهدت مؤسسة (ماستركارد) بتقديم 1.3 مليار دولار لدعم التصنيع المحلي للقاحات (كوفيد 19) وتوزيعها، من خلال شراكة مع المراكز الأفريقية لمكافحة الأمراض والوقاية منها.

ويتماشى البرنامج الذي سيشمل التركيز على تنمية رأس المال البشري مع الاتحاد الأفريقي ومبادرة الشراكات من أجل تصنيع اللقاح في أفريقيا، التي أطلقها المركز الأفريقي للسيطرة على الأمراض والوقاية منها. وتهدف المبادرة التي أطلقت في أبريل الماضي، إلى إنشاء خمسة مراكز للأبحاث المتعلقة باللقاحات وتصنيعها في القارة، على مدى السنوات العشر إلى الخمس عشرة القادمة، وزيادة حصة اللقاحات المنتجة محلياً لاستخدامها في القارة إلى ما يصل إلى 60% في غضون العشرين عاماً القادمة. وأعلن الاتحاد الأوروبي، بالتعاون مع مؤسسة التمويل الدولية، وفرنسا، وألمانيا، والولايات المتحدة، عن خطط لاستثمار مليار يورو (1.2 مليار دولار) في مشروع إنشاء المركز.

إن تطوير قدرات تصنيع اللقاحات في إفريقيا لن يساعد القارة فقط على التعامل مع الأزمات غير المتوقعة في المستقبل؛ بل سيمكن البلدان أيضاً من تحسين توفير اللقاحات الموجودة. ووفقاً لوكالة الأناضول، في عام 2019، لم يتلق ما يقدر بنحو 19.8 مليون طفل حول العالم اللقاح ضد الحصبة عن طريق تغطية التحصين الاعتيادي. ويعيش غالبية هؤلاء الأطفال في إفريقيا.

وفضلاً عن ذلك، ستضع هذه الجهود أفريقيا على أساس أقوى بكثير يمَكنها من تلبية الطلب على إيجاد حلول لمشاكل الصحة العامة في المستقبل. فعلى سبيل المثال، تُجرى حالياً عملية تطوير لقاحات حمى لاسا - مرض نزفي فيروسي حاد مستوطن في ثمانية بلدان في غرب إفريقيا. وأصبح الباحثون أيضاً على وشك تطوير لقاح فعال وميسور التكلفة لمكافحة الملاريا. ففي عام 2019، سُجلت 94% حالة إصابة ووفاة بالملاريا في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.

ومع ذلك، فإن اللقاحات ليست سوى جزء واحد من قائمة طويلة من المنتجات الصيدلانية التي غالباً ما تكافح البلدان الأفريقية لتأمين الوصول إليها. ففي عام 2015، توفي 1.6 مليون أفريقي إما بسبب الملاريا، أو السل، أو فيروس نقص المناعة البشرية/‏‏‏ الإيدز بسبب النقص المزمن في الأدوية. وهي كلها أمراض يمكن الوقاية منها أو علاجها.

ولحسن الحظ، هناك أيضاً مبادرات تركز على تكسير الحواجز أمام تصنيع الأدوية في إفريقيا. ففي عام 2012، نشرت وكالة التنمية التابعة للاتحاد الأفريقي خطة تصنيع الأدوية لأفريقيا. وتقترح هذه الخطة حلولاً تقنية للعديد من التحديات التي تواجه صناعة الأدوية. وينبغي أن تدعم عملية إنشاء منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية التقدم في تحقيق هذه الخطة.

 

Email