السيارات الكهربائية والاستدامة الاقتصادية والبيئية

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

إن النفقات الإضافية المطلوبة من أجل التبني السريع للسيارات الكهربائية هي نفقات لا تكاد تذكر مقارنة بالتكاليف الاقتصادية والبشرية لموجات الحر وحرائق الغابات وإزالة الغابات والتلوث وانخفاض التنوع البيئي وإمكانية حصول جوائح مستقبلية أكثر حدة. إن جعل شوارعنا أنظف وأكثر هدوءاً وأقل ازدحاماً لن يحسّن جودة الحياة لدينا فحسب، بل إنه سوف يحسّن كذلك من استدامتها. إن الدول النامية التي تنضم إلى ثورة السيارات الكهربائية سوف تحصل على فوائد كبيرة تتعلق بالاقتصاد الكلي علماً أن المنتجات النفطية المكررة ومعظمها من البنزين تمثّل الحصة الأكبر من الواردات في معظم الدول الأفريقية بما في ذلك دول تعتبر من كبار الدول المصدرة للنفط مثل نيجيريا.

إن تسريع تبني السيارات الكهربائية والتي تتطلب صيانة وقطع غيار أقل مع شبكة كهرباء يمكن التعويل عليها بشكل أكبر وقائمة على أساس مصادر الطاقة المتجددة سوف يؤدي إلى الحصول على مصادر للعملة الصعبة القيّمة في وقت يزداد فيه الدين الخارجي. إن توسع سوق السيارات الكهربائية العالمي سوف يخلق فرصاً كذلك من أجل دخول سلاسل القيمة المشكّلة حديثاً. في الوقت نفسه، فإن البلدان التي تفشل في التخطيط بشكل كافٍ تواجه مخاطر كبيرة، حيث يمكن أن تجد نفسها عالقة مع مصافي نفط غير مستخدمة، وأساطيل من السيارات التي عفا عليها الزمن، وغير قادرة على استيراد قطع حيوية، وذلك نظراً لأن مصنعي السيارات قد توقفوا عن إنتاجها.

نظراً للتكاليف الضخمة للاحتباس الحراري وحتى في يومنا هذا فإن تشجيع البلدان النامية على الانضمام إلى ثورة السيارات الكهربائية لا يمكن إلا أن يجلب فوائد كبيرة للعالم. لا يمكن للدول النامية تجاهل ما يجري حالياً فيما يتعلق بتحول الطاقة وثورة النقل، حيث يجب أن تعتبر تلك الدول ذلك على أنه بمثابة فرصة لخلق قدرات جديدة والتنويع في قطاعات جديدة.

جادلنا قبل أربع سنوات أن صعود السيارات الكهربائية سوف يقلب كلاً من صناعة السيارات وسوق النفط رأساً على عقب، وكما حصل عندما تم استبدال الخيول بالسيارات في الولايات المتحدة الأمريكية قبل قرن من الزمان، فإن الزيادة الاستثنائية للسيارات الكهربائية سوف تؤدي إلى سيطرتها على صناعة السيارات بحلول أربعينيات القرن الحالي، وسوف يصبح النفط مثل الفحم مع استمرار تقارب الأسعار من حيث الطاقة لتصل لحوالي 15 دولاراً للبرميل، وهذا سوف يكون له تداعيات اقتصادية وجيوسياسية عميقة.

منذ ذلك الحين، تصاعدت ثورة النقل، حيث استمرت في تجاوز معظم التوقعات. لقد كان عدد السيارات الكهربائية في سنة 2020 أكثر من عشرة ملايين بعد زيادة تتجاوز %40 في السنوات الأخيرة، وهذا يشبه استخدام السيارات في أوائل القرن العشرين، ولو استمر هذا المسار فسوف تشكل السيارات الكهربائية حوالي %60 من سوق السيارات العالمية بحلول سنة 2040 و%90 من ذلك السوق بحلول سنة 2050.

إن هذه التقديرات تتجاوز أرقام وكالة الطاقة الدولية والتي تتوقع أنه سوف يكون هناك حوالي 330 مليون سيارة كهربائية سنة 2040 وبلومبيرغ ن ي ف، والتي تتوقع أن تكون حصة السيارات الكهربائية عالمياً %30، ولكنها تتوافق بشكل عام مع سيناريو وكالة الطاقة الدولية بالنسبة لصافي صفر انبعاثات بحلول سنة 2050 وسيناريوهات كربون تراكر/‏‏‏امبريال كوليدج لندن والمتعلقة باتفاقية باريس للمناخ.

إن ما نراه أخيراً في الصين يثبت عدم صحة الافتراض بأن استخدام السيارات الكهربائية في الاقتصادات الناشئة والنامية سوف يتأخر عن الاقتصادات المتقدمة طيلة عقود من الزمان مما سوف يؤخر الانهيار في الطلب العالمي على النفط.

في واقع الأمر فلقد تجاوزت أوروبا الصين فقط فيما يتعلق بالتسجيلات الجديدة للسيارات الكهربائية سنة 2020 بينما بقيت الصين أضخم سوق لسيارات الكهرباء برقم يصل إلى 4.5 ملايين سيارة وعلى الرغم من أن جائحة «كوفيد 19» قد خفضّت بشكل كبير الطلب على السيارات، فلقد استمر سوق السيارات الكهربائية بالنمو سريعاً في العديد من البلدان بما في ذلك الاقتصادات النامية.

لقد أظهرت الأسواق الناشئة أنها يمكن أن تكون أيضاً رائدة في مجال صناعة السيارات الكهربائية. لقد تمكنت صناعة السيارات الكهربائية الصينية من تحقيق المزيد من التخفيض في التكاليف، حيث تتنافس العديد من العلامات التجارية للهيمنة على السوق علماً أن أكثر من 400 شركة دخلت سوق السيارات الكهربائية في الصين مما يذكّرنا بالأيام الأولى لصناعة السيارات في الولايات المتحدة الأمريكية عندما تنافست مئات الشركات قبل ظهور الشركات العملاقة مثل كرايزلر وفورد. إن التكلفة الدائمة لامتلاك سيارة كهربائية آخذة في الانخفاض بشكل مطرد مع انخفاض تكاليف البطارية حيث أصبح من الممكن بالفعل مقارنتها بتكلفة السيارات.

إن صناعة السيارات تستذكر أيام عزها قبل قرن من الزمان علماً أن التنافس الشديد على سوق السيارات الكهربائية سوف يخفّض التكاليف بشكل أكبر ويزيد الجودة ويطور التكنولوجيا، وهذا لن يفيد المستهلكين فحسب، بل إنه سوف يؤدي كذلك إلى تسريع تحول الطاقة. إن العوائق الرئيسية أمام تبني السيارات الكهربائية مثل البنية التحتية وتوليد الكهرباء والمدى القصير يتم الآن العمل على حلها ونحن نشاهد بالفعل حالياً المزيد من محطات الشحن وزيادة مصادر الطاقة المتجددة وتحسن أداء البطارية واستمرار الابتكار.

لكن الاعتماد على قوى السوق لا يعتبر كافياً. إن القواعد والأحكام الجديدة سوف تساعد في تسريع التحول. إن قواعد وأحكام الاتحاد الأوروبي للانبعاثات والتي سوف يسري مفعولها سنة 2025 يمكن أن تغيّر بشكل كامل آفاق السوق، حيث تتطلب تلك القواعد والأحكام أن تتضمن السيارات تقنيات مرتفعة الثمن مما سوف يجعلها أقل تنافسية بكثير وبالمثل، بعد إن فرض صناع السياسات في كاليفورنيا معايير انبعاثات أكثر صرامة في ولايتهم (الأكثر اكتظاظاً بالسكان في الولايات المتحدة الأمريكية)، كان على صناعة السيارات أن تتقيد بذلك مما أدى إلى انتشار إيجابي في بقية البلاد علماً أنه يمكن لمثل هذه القواعد والأحكام الرسمية أن تغيّر قواعد اللعبة وتطلق حلقة حميدة من اقتصادات الحجم والابتكار وزيادة الطلب.

* اقتصادي مسؤول في صندوق النقد الدولي وهو باحث منتسب في معهد بينيت للسياسة العامة في جامعة كامبريدج

** نائب المدير العام السابق لصندوق النقد الدولي ورئيس المعهد الوطني للبحوث المالية في جامعة تسينغهوا

Email