الأسواق وتغير المناخ

ت + ت - الحجم الطبيعي

بينما يعكف القائمون على التنظيم المالي على إعادة توظيف أدواتهم وتصور عملياتهم، ينبغي للشركات المالية أن تفعل الشيء ذاته، فتتحرك الآن لتحديد أصولها والتزاماتها البيئية، بدلاً من انتظار الهيئات التنظيمية البطيئة للقيام بذلك نيابة عنها. عندما تعرف مؤسسة مالية ما لديها في محفظتها، يصبح بوسعها أن تتوقع كيف ستتصرف في مواجه الصدمات المتتالية المرتبطة بالمناخ، ويمكنها أن تحدد على نحو أفضل تصحيح وتقييم تسعير الأصول، فضلاً عن مدى كفاية احتياطاتها.

باختصار، لا ينبغي للقائمين على الصناعة ولا القائمين على التنظيم أن ينتظروا من جهة أخرى أن تخبرهم بما يجب عليهم فعله ومتى يشرعون في العمل، الواقع أن أغلب الأدوات الضرورية موجودة بالفعل.

كثيرة هي ألوان المعاناة وأسباب المخاطر التي يعانيها عالمنا في الوقت الحالي، فبجانب إفرازات الجائحة ومعاناة الأسواق راحت تترسخ وتتعمق أزمات تغيرات المناخ والأخطار المحيقة بالبيئة، وبات علينا لردع الأخطار لالكارثية في الصدد، أن نتسلح بأجندات عمل دقيقية ومشتركة، تربط بين الالتزامات والممارسات المالية وفي الأسواق، من جهة، وبين البيئة ومتطلبات حمايتها، من جهة اخرى. وهنا لا شك أنه يتعين على القائمين على التنظيم المالي أن يعكفوا على إعادة تصور دورهم الخاص حتى يتمكنوا من الاضطلاع بدورهم في إعادة تصور الاقتصاد على نطاق أوسع. ففي ضوء التأثيرات المناخية المتغيرة، والتي لا يمكن التنبؤ بها ــ لكنها تتزايد حدة بشكل واضح ــ على الاقتصاد، يتعين على القائمين على التنظيم في هذا المجال، أن يخرجوا من منطقتهم المريحة، وأن يتحركوا في وقت مبكر قبل أن تتفاقم المشكلة، وتصبح معالجتها أكثر تكلفة.

تعني هذه الحتمية أمرين، أولاً، يجب أن يتحرك القائمون على التنظيم بشكل أسرع في إعداد الشركات الواقعة، ضمن نطاق صلاحياتهم لتحمل تأثيرات المناخ، التي لا تستطيع الأسواق إزالتها.

ثانياً، يتعين عليهم أن يسألوا أنفسهم كيف يمكن استخدام أدواتهم الحالية، لتحفيز الانتقال السريع والمنظم والعادل بعيداً عن الاستثمارات الكثيفة الانبعاثات والمدمرة للتنوع البيولوجي.

كما أظهر صيف هذا العام الوحشي، فقد أصبح من السهل على نحو متزايد تتبع العواقب المترتبة على تغير المناخ، فبينما تحصد أحداث الطقس الشديدة القسوة المزيد والمزيد من أرواح البشر، يفقد العالم أعداداً متزايدة من الأنواع بسبب الانقراض، وقد نزحت مجتمعات بأكملها بسبب العواصف العاتية ودرجات الحرارة غير المحتملة، ويهدد ارتفاع مستويات سطح البحر، وعدم استقرار الإنتاج الزراعي بتدمير ملايين الوظائف.

لم تعد هذه التكاليف نظرية أو بعيدة في المستقبل، بل هي حاضرة الآن، ورغم أن أعباءها يتحملها الجميع، فإن الأشخاص الذين يشعرون بوطأتها بأكبر قدر من الشدة هم الأقل قدرة على الوصول إلى المعلومات، وأولئك الذين يعملون في أماكن مفتوحة، أو يعيشون في ظل ظروف لا توفر لهم القدر الكافي من الحماية. ويُـصـبِـح أولئك الذين لا يمكنهم الانتقال بسهولة أو تحمل القدر الكافي من التأمين على الممتلكات وضد الحوادث عُـرضة للخطر على نحو متزايد.

في عموم الأمر، يجب تشجيع القائمين على هذه المجالات للتفكير بشكل أكثر إبداعاً حول كيفية الانخراط في جهود الانتقال المحلية والعلمية بهذا الصدد. على سبيل المثال، كيف يمكن تجميع السياسات المالية، التي تنتهجها هيئات مختلفة معاً لتحقيق نتائج، تُـفضي إلى تمكين الشركات من بلوغ أهداف الصِـفر الصافي؟ وكيف يمكن استخدام السياسة المالية للمساعدة في التعجيل بالانتقال، الذي يعيد توزيع العمال على وظائف جديدة، أو مساعدة الأسر التي يُـطـلَـب منها تغيير عادات الإنفاق؟

* زميلة متميزة في مركز الأسواق المالية العالمية التابع لكلية الحقوق في جامعة ديوك، وكبيرة زملاء مركز ديوك للمخاطر في العلوم والمجتمع

Email