«كورونا» وجذور المنشأ وخفاياه

ت + ت - الحجم الطبيعي

منذ أكثر من عام ونصف، وفيروس كورونا «كوفيد 19» يلازمنا. فقد أعاق تقدم المجتمعات، وأدى إلى انكماش اقتصادي حاد، وقتل أكثر من 4.2 ملايين شخص. ولكننا ما زلنا لا نعرف أصل الفيروس القاتل.

وعندما أخبرت الصين العالم عن «كوفيد 19»، كانت هناك الكثير من الضرورات. إن معرفة ما إذا كان فيروس «كورونا» قد ظهر بصورة طبيعية في الحياة البرية، أو تم تسريبه من المختبر أمر ضروري، لمنع حدوث جائحة أخرى. ولكن هناك عقبات تعيق إجراء تحقيق جنائي مستقل في هذه المسألة.

عندما اقترح المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم غيبريسوس، مؤخراً، الانتقال إلى مرحلة ثانية من الدراسة، تُركز على عمليات مراجعة حسابات الأسواق والمختبرات، خاصة معهد ووهان لعلم الفيروسات، لم يجرِ قبول الأمر. وعندما أعلن الرئيس الأمريكي، جو بايدن، عن تحقيق استخباراتي أمريكي جديد، بشأن أصول «كوفيد 19»، لم ترضَ جهات عن هذا.

وبدون تعاون دولي جامع ودقيق، ستكون عملية تحديد أصول «كوفيد 19» شبه مستحيلة.

ولكن إثبات تسريب «كوفيد 19» من معهد للفيروسات - أو عكس ذلك - سيتطلب من وكالات الاستخبارات الأمريكية، الوصول إلى المزيد من البيانات المتعلقة بالفيروس منذ المراحل الأولى لتفشيه.

وإذا توصل تقرير المخابرات الأمريكية، الذي أمر به بايدن، إلى نتيجة تتهم الصين في الشأن، فقد يدفع العلاقات الصينية الأمريكية، المشحونة بالفعل، إلى نقطة الانهيار. وليس هذا ما تريده إدارة بايدن، كما يتضح من جهود نائبة وزير الخارجية، ويندي شيرمان.

وحتى مع تآمر الظروف لعدم وضوح الرؤية، وتبين التفاصيل كاملة حول منشأ الفيروس، لن يختفي هذا السؤال: هل من الممكن أن يكون الوباء، الذي أحدث دماراً على المستوى العالمي، قد نشأ بمحض الصدفة؟ لقد اعترف مدير وكالة الاستخبارات المركزية، وليام بيرنز، قائلاً إنه من المؤكد أننا قد لا نعرف على الإطلاق. ولكن لا ينبغي أن تساورنا أي أوهام حول ما يعنيه ذلك.

إن البحث عن أصول منشأ «كوفيد 19» مهم وضروري، شرط أن يكون دقيقاً ويقترن بنهج خاص ثري بأهدافه، وهذا طبعاً ليس لأجل أية اهدف ومرامي تؤطر في السياقات السياسية، بل لأجل أن يعي عالمنا بدقة الأسباب التي أدت لهذا الفيروس وكيفية نشأته، ومن ثم لنكون حذرين وواعين تماماً لأية اطار مستقبلية مشابهة، بحيث نستطيع تطويق ومعالجة أية ازمات باقتدار وحنكة.

إن هذا الامر هو حاجة عالمية أمنية واجتماعية وصحية، فللأزمات دوماً إفرازات وأخطار متعددة وشاملة، تهدد وتقوض أمن واستقرار عالمنا من شتى الجوانب. إن جميع دول عالمنا، ومعها كافة المؤسسات والجهات المتخصصة، معنية بالمبادرة للتركيز على التعاون في هذا الخصوص للوصول إلى نتائج مقنعة ومنطقية تفضي إلى تسلح عالمنا بخبرات وأدوات حل نوعية تتصدى لأية ازمات مستقبلية.

* أستاذ الدراسات الاستراتيجية في مركز أبحاث السياسات ومقره نيودلهي، وزميل في أكاديمية روبرت بوش في برلين، وهو مؤلف تسعة كتب.

 

Email