التطعيم والإجراءات الاحتياطية وعودة حركة السفر

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

أعلنت دول كثيرة خلال الفترة الماضية، أنها سترتب غرامات وعقوبات على الأشخاص الذين يخرقون الحظر المفروض والقيود الموضوعة بشأن السفر من قبل تلك الدول، لردع تفشي «كورونا».

إن هذه القيود المعقدة التي تتغير باستمرار تجعل السفر إلى الخارج مهمة صعبة بحق. ولقد أثبت علماء الأوبئة بشكل مقنع أن ارتداء الكمامات والتباعد الاجتماعي وتجنب الاتصال الشخصي بشكل عام يقلل من انتقال المرض. إن المسافرين الدوليين القادمين لا يؤثرون سلباً على الإطلاق على هذه النتيجة، فلو تمكنا من وقف انتشار المرض فعندئذ لن يكون للقادمين الجدد الذين يلتزمون بقواعدنا أي تأثير يذكر.

إن المخاطر من «كوفيد 19» قد تغيرت بشكل دراماتيكي بفضل التطعيم. لقد أثبتت جميع اللقاحات المعتمدة من قبل إدارة الطعام والأدوية في الولايات المتحدة الأمريكية أنها فعّالة بنسبة 95% في الوقاية من الوفيات وأكثر من 90% في الوقاية من المرض الخطير بما في ذلك سلالة دلتا الأكثر عدوى.

إن اللقاح يقلل من النسبة الإجمالية للوفيات الناجمة عن الإصابة، والتي تقيس الوفيات بين الناس المصابين من 0،41 % إلى 0،2 % (نظراً لأن النسبة الإجمالية للوفيات الناجمة عن الإصابة تختلف بشكل كبير طبقاً للعمر، نحسب هذه النسب من البيانات الرسمية حسب الفئة العمرية مع الأخذ بعين الاعتبار التركيبة العمرية لسكان الولايات المتحدة الأمريكية).

بالطبع فإن تطعيم الناس الأكثر عرضة للمرض بما في ذلك كبار السن أو أولئك الذين يعيشون في أماكن رعاية جماعية يجب أن يبقى على رأس أولويات العالم.

إن لقاحات «كوفيد 19» لا تمنع حدوث الإصابات بشكل كامل ولكنها تساهم بشكل جيد في منع المرض الشديد، علماً أنه طبقاً لتقديرات المركز الأمريكي لمكافحة الأمراض والوقاية منها فإن موسم الإنفلونزا 2019 - 2020 تسبب في 38 مليون إصابة مما نتج عنه 18 مليون زيارة طبية 400 ألف حالة إدخال للمستشفيات و22 ألف وفاة.

إن هذا يعني أن النسبة الإجمالية للوفيات الناجمة عن الإصابة تبلغ 0،06 % بالنسبة للإنفلونزا، أي أكثر من ضعف النسبة الإجمالية للوفيات الناجمة عن الإصابة بالنسبة لـ«كوفيد 19» عندما يتم تطعيم الناس الأكثر ضعفاً.

لا تزال هناك أسئلة مفتوحة مهمة، بما في ذلك النسبة المئوية للأشخاص الذين قد يعانون من أعراض «كوفيد 19» الشديدة على المدى الطويل، ولكن المخاطر الآن مماثلة للمخاطر الناجمة عن الأمراض التي نتعامل معها بالفعل.

وعلى الرغم من أن المسافرين على متن الطائرات ينقلون العدوى بشكل محدود (مقارنة بحجم السكان في البلدان الكبيرة)، فقد يجادل البعض أن السفر جواً هو أرض خصبة للعدوى، وعليه يجب حظره لهذا السبب.

إن مما لا شك فيه أن السفر في أماكن محصورة يعتبر مخاطرة، ولكن هذه المخاطرة تنطبق كذلك على نشاطات أخرى كثيرة مثل الأكل في المطاعم والسباحة في بركة سباحة ودعوة الأصدقاء لمنزلك وزيارة متحف للفنون ..... إلخ. لا يوجد سبب وجيه لعزل السفر الجوي الدولي باعتباره النشاط الوحيد الذي يجب تقييده بشدة، حيث يبدو أن اتخاذ التدابير اللازمة لجعل السفر الجوي أكثر أماناً هو الخيار الأكثر منطقية إلى حد كبير.

إن الرغبة في منع وصول سلالات جديدة محتملة من المرض هو أمر يمكن تفهمه ولكنه ليس بالضرورة أن يكون قاسياً لتلك الدرجة، حيث لا يوجد سوى عدد قليل من البلدان التي تمكنت من تحقيق نتيجة تقترب من الصفر فيما يتعلق بـ«كوفيد 19» وخصوصاً الدول التي هي عبارة عن جزر مثل نيوزيلندا وأستراليا.

إن حوالي 30 ألف شاحنة تقريباً تعبر الحدود الأمريكية - الكندية يومياً و18 ألف شاحنة أخرى تسافر بين الولايات المتحدة الأمريكية والمكسيك، وبالمثل فإن حوالي 10 آلاف شاحنة تعبر الحدود البريطانية يومياً، كما أن الشحن الجوي والبحري يؤدي لزيادة الاتصالات بشكل أكبر.

سيتطلب الحفاظ على سياسة المتغير الصفري حجر جميع السائقين والطيارين وغيرهم من الموظفين، بالإضافة إلى وقف جميع المشاة وسيارات الركاب وحركة المرور الأخرى، وستكون النتيجة المزيد من انقطاع الإمدادات وارتفاع الأسعار (لمواد البناء والطعام والمركبات وغيرها) وفقدان الوظائف علماً أنه لا يوجد دعم سياسي لمثل تلك السياسة.

يجب أن نتوقف عن الادعاء بأن السفر الدولي مشكلة. إن اللقاحات والعلاجات تبقي على السلالات تحت السيطرة، ولكن يتوجب علينا أن نستمر في تمويل الأعمال الواعدة المتعلقة بالجرعات المنشطة واللقاحات الجديدة والأدوية والعلاج النهائي المحتمل. إن الاستماع إلى النصائح المتعلقة بالصحة العامة يعتبر أمراً مهماً، ولكن يتوجب على صناع السياسات أن يركّزوا أيضاً على ما يهم حقاً.

* رئيس قسم التدخل الفعّال في مركز الأداء الاقتصادي بكلية لندن للاقتصاد

** كبير الاقتصاديين السابق في صندوق النقد الدولي وأستاذ في كلية سلون للإدارة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وهو أيضاً رئيس مشارك لتحالف سياسة «كوفيد 19»

 

Email