الإغلاق والحركات الشعبوية في أوروبا

ت + ت - الحجم الطبيعي

يجب على الحكومات الأوروبية الاستماع باهتمام لمخاوف الناس بشأن «كورونا» وإفرازاتها والتعامل مع الاحتجاجات على الإجراءات المتبعة بحكمة عبر فهم مخاوف الناس.. ومع مرور الوقت، يمكن أن يقلل هذا النهج من احتمالية ظهور الحركات المتطرفة والشعبوية التي تمتطي صهوة الجائحة لتحقيق أهداف هز استقرار المجتمعات، وبهذا على الأقل تستطيع تقليل مخاطر العنف. وفي غضون ذلك، ستظل هذه المجموعات (الاحتجاجية) تشكل خطراً على المجتمع- والديمقراطية.

ومثالنا هنا حركة «كويردانكر» في ألمانيا التي تقدمت خلال الفترة المنقضية، بطلب الحصول على إذن لتنظيم تظاهرة يشارك فيها نحو 25000 شخص، وقوبل الطلب بالرفض، على أساس أن الحركة انتهكت مراراً وتكراراً الإجراءات المتعلقة بالوباء، فرفع المنظمون قضية في المحكمة، لكنهم خسروها، ومع ذلك، حصل موكبهم على إذن بالتظاهر، بيد أنه تبين أن الموكب كان خدعة، إذ بدأت مجموعات من المتعاطفين مع «كويردانكر» في السير في أنحاء مختلفة من المدينة بذريعة التجمع عند بوابة «براندنبورغ» وأمام مبنى «الرايخستاغ»، وأعقب ذلك مشهد سريالي، إذ استمتع «المفكرون المنفتحون» الـ7000 بلعبة القط والفأر مع عناصر الشرطة، من دون وضع كمامات، وفي تجاهل لتدابير النظافة. ويبدو أن عناصر الشرطة قللت من احتمال التجمع غير القانوني، ونطاقه، واحتمالية تسبّبه في اندلاع أعمال عنف.

إن حركة «كويردانكر» تلعب بالكلمات؛ فهي تتكلم بتناقض من جهة، وتعبر عن التفكير الجانبي من جهة أخرى، وأطلقت الحركة في أبريل 2020 من قبل مهندس برمجيات في شتوتغارت، مايكل بالويغ، بهدف الترويج لسبب واحد: نهاية عمليات الإغلاق «كوفيد 19».

لقد تجمع نحو 30 ألف شخص في برلين، للاحتجاج على إجراءات الإغلاق الناجمة عن فيروس «كورونا»، ورغم أن ذلك الحدث، الذي نظمته حركة «كويردانكر» (المفكرون المنفتحون) ومقرها شتوتغارت، تحدى الحظر المفروض على التجمعات العامة، إلا أنه كان في النهاية احتجاجاً سلمياً إلى حد ما. ولا ينطبق الوصف نفسه على التظاهرة التالية ضد الإغلاق في العاصمة، في 29 أغسطس 2020.

لقد تصرف معظم المشاركين في مسيرة 29 أغسطس والبالغ عددهم 38 ألفاً، بصورة سلمية، ونُظمت تلك المسيرة بعد أن ألغت محكمة إدارية في برلين حظر الشرطة على التظاهرة، ولكن مجموعة منشقة مكونة من 450 - 500 متظاهر، أغلبهم من أقصى اليمين، حاولت اقتحام الرايخستاغ، ولم يكن الهجوم عنيفاً ومخططاً له جيداً مثلما كان الهجوم، الذي تعرض له مبنى الكابيتول الأمريكي، والذي كان من المقرر أن يحدث في 6 يناير 2021.

إن أتباع حركة «كويردانكر» غير مقتنعين، فهم يتهمون الحكومة باستخدام الوباء ذريعة لإنشاء دكتاتورية في البلد، وشعارهم المفضل، الذي هتفوا به في احتجاجات كثيرة، هو «سلام، حرية، لا دكتاتورية».

وبعد أحداث أغسطس 2020، أصبح جزء «السلام» من هذا الشعار موضع تساؤل على نحو متزايد، تماماً كما هو الحال بالنسبة لتركيز حركة «كويردانكر»على الحقوق الدستورية خلال عمليات الإغلاق جراء «كوفيد 19»، ومع نمو الحركة، التي أصبح لها الآن فروع محلية في 59 مدينة ألمانية، وسعت نطاق حججها.

ويزعم بيان صحفي صدر مؤخراً عن حركة «كويردانكر» أن الحكومة استخدمت الوباء لخلق «نوع من المراقبة الدائمة»، ومنح سلطات جديدة للشرطة وحرس الحدود، «من أجل زيادة تقييد حقوق الإنسان في جميع أنحاء أوروبا»، وفضلاً عن ذلك، تؤكد الحركة أن الحكومة أجبرت الناس على «فقدان وظائفهم... والعمل لساعات إضافية، والتنازل عن الأجور، وتدمير صحتهم»، كما دمرت آفاق الشباب المستقبلية من خلال تقييد التعليم. وتواجه ألمانيا الآن «أكبر عملية إعادة توزيع تصاعدية، وموجة من عمليات المصادرة ذات الأبعاد التاريخية»، ولن «تغض حركة كويردانكر» الطرف عنها.

* أستاذ علم الاجتماع بكلية هيرتي لشؤون الحكم في برلين

Email