عالمنا وارتدادات 11 سبتمبر

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

خلّفت الحروب التي دارت رحاها في أعقاب الحادي عشر من سبتمبر، عواقب محلية كبيرة على الولايات المتحدة. فقد زعزعت ثقة الدولة التي خرجت من الحرب الباردة بتفوق غير مسبوق تاريخياً للقوة.. وتسببت تكاليفها وإخفاقاتها في تحفيز معارضة الدور العالمي الأمريكي الكبير المستمر، ما أدى إلى ظهور ميل جديد نحو الانعزالية.

على نحو مماثل، تسبب الدفع باتجاه الحرب، جنباً إلى جنب مع الأزمة المالية العالمية في الفترة 2007 2009-، وتداعياتها الاقتصادية، في تقويض إيمان الأمريكيين بالنخب بقوة، الأمر الذي حفز صعود المشاعر الشعبوية، التي ساعدت بين أمور أخرى، في تمهيد الطريق إلى رئاسة دونالد ترامب. لقد أصبحت الولايات المتحدة اليوم، أشد انقساماً من أي وقت مضى في الداخل، ومتزايدة العزوف عن تنفيذ ذلك النوع من السياسة الخارجية النشطة، التي كانت سمتها المميزة منذ الحرب العالمية الثانية، والتي عادت بقدر عظيم من الفوائد، في مجمل الأمر، على الأمريكيين، وكثيرين غيرهم.

بالتأمل في أحداث الماضي، يمكننا الآن أن نرى بوضوح، أن يوم الحادي عشر من سبتمبر، حمل معه نذيراً بما سيأتي: انحسار عولمة الإرهاب، وتَـعاظُـم إرهاب العولمة. نقلت الهجمات رسالة مفادها أن المسافات والحدود لا تشكل أهمية تُـذكَر في عصر العولمة. فالقليل يظل محلياً لفترة طويلة، سواء كنا نتحدث عن إرهابيين ولِدوا في الشرق الأوسط، وتلقوا تدريبهم في أفغانستان، أو التأثيرات المترتبة على الأزمة المالية العالمية التي تعود أصولها إلى سوء الإدارة المالية الأمريكية.

نحن الآن نعيش جميعاً مع فيروس وبائي، قتل ملايين البشر، منذ ظهر في وسط الصين في ديسمبر/‏‏‏‏كانون الأول من عام 2019. ومن الواضح أن الحرائق، وموجات الجفاف، والفيضانات، والعواصف، وموجات الحر التي تجتاح قسماً كبيراً من العالم، هي في حقيقة الأمر، نتيجة لتغير المناخ، الذي يُـعَـد في حد ذاته الأثر التراكمي لأنشطة بشرية، تسببت في تركيز كميات لا يمكن احتمالها من غازات الانحباس الحراري الكوكبي، التي تحتجز الحرارة داخل الغلاف الجوي.

كان كل الخاطفين من الشرق الأوسط، جميعهم تلقوا تدريبهم في أفغانستان، وأربعة منهم في مدارس طيران أمريكية، كجزء من عملية خطّط لها ونظمها ونفذها تنظيم القاعدة، الجماعة الإرهابية التي تزعمها أسامة بن لادن. بحلول نهاية اليوم، بلغ عدد القتلى 2977 من الرجال والنساء والأطفال الأبرياء، وتجاوز عدد المصابين 6000 شخص. كان أغلب القتلى والمصابين من الأمريكيين، وإن كان مواطنون من أكثر من مئة دولة أخرى، فقدوا حياتهم أيضاً.

كان كثيرون يخشون أن تكون أحداث الحادي عشر من سبتمبر/‏‏‏‏أيلول، إيذاناً ببدء عصر يتسم بالإرهاب العالمي. وتأكيداً لهذه المخاوف، تبع ذلك هجمات أخرى، دبرها تنظيم القاعدة، بما في ذلك تفجيرات القطارات في مدريد في مارس/‏‏‏‏آذار 2004، والهجوم على شبكة النقل العام في لندن في يوليو/‏‏‏‏تموز 2005. علاوة على ذلك، قَـتَـلَ إرهابيون ادعوا الولاء لـ (داعش)، 32 شخصاً في مطار بروكسل في مارس/‏‏‏‏آذار 2016، وشنوا سلسلة من الهجمات الأصغر حجماً (غالباً باستخدام مركبات لدهس المشاة). ولكن لم تتعرض الولايات المتحدة أو أي من حلفائها لهجوم آخر، بحجم الحادي عشر من سبتمبر ــ أو يقترب منه.

الآن، نشأ اتفاق واسع الانتشار على ما يشكل إرهاباً ــ استخدام القوة المسلحة من جانب أفراد أو جماعات ضد المدنيين، لتحقيق أغراض سياسية ــ ودرجة من الدعم لمبدأ مفاده أن الحكومات لا ينبغي لها أن تميز بين الإرهابيين، وأولئك الذين يوفرون لهم الملاذ والدعم. لقد ولت، في الغالب، الأيام، عندما كان من الممكن تصوير الأفراد والجماعات الذين يمارسون القتل من أجل قضيتهم، في هيئة رومانسية، على أنهم مقاتلون من أجل الحرية.

هذا لا يعني أن الإرهاب لم يستمر في حصد عشرات الآلاف من الأرواح كل عام، بل إن هذا يحدث بكل تأكيد. لكن معظم الهجمات تقريباً، وقعت في الشرق الأوسط، وأفريقيا، وجنوب آسيا، كجزء من صراعات مستمرة في تباين مع أي هجوم منعزل بحجم الحادي عشر من سبتمبر/‏‏‏‏أيلول، ضد واحدة من القوى الكبرى. لقد أصبح الإرهاب محلياً، لا مركزياً، على نحو متزايد. وهو يتسم الآن أيضاً بالمرونة والقدرة على الصمود: فأسر أو قتل زعيم أي منظمة إرهابية، لا يعني نهايتها بالضرورة.

ليس من المستغرب إذن، أن يستمر الإرهاب، بلا نهاية في الأفق. ولا يجوز استبعاد احتمال وقوع هجمة أخرى، بحجم الحادي عشر من سبتمبر، حتى برغم أن حكومة الولايات المتحدة صرحت مؤخراً، أن «التهديد الإرهابي الأكثر إلحاحاً» الذي يواجه البلاد محلي. على حد تعبير الجيش الجمهوري الإيرلندي المؤقت، بعد محاولته الفاشلة لاغتيال رئيسة الوزراء البريطانية مارغريت تاتشر في عام 1984 «اليوم لم يحالفنا الحظ، ولكن تذكروا أننا يكفي أن نكون محظوظين مرة واحدة. وأنتم يجب أن يكون الحظ حليفاً لكم دائماً». مكمن الخطر هنا، أن اليوم سيأتي عندما يتمكن الإرهابيون من وضع أيديهم على مواد نووية، أو التوصل إلى كيفية تصنيع وتسليم سلاح بيولوجي أو كيميائي. في هذه الحالة، قد يصبح الإرهاب سِـمة العصر. ولكن لم يحدث ذلك في الوقت الحالي.

لقد شكلت أحداث الحادي عشر من سبتمبر، نقطة تحول تاريخية، وكان تأثيرها عميقاً في السياسة الخارجية الأمريكية في العقدين التاليين. ورغم أن الهجمات لم تؤذن حقاً بقدوم عصر من الإرهاب العالمي، فإنها أفضت إلى اندلاع ما يسمى الحرب العالمية على الإرهاب، التي أثرت بشكل عميق في ما فعلته الولايات المتحدة في العالم، وكيف أصبح العالم ينظر إلى الولايات المتحدة، وكيف أصبح العديد من الأمريكيين يرون سياسة بلدهم الخارجية.

* رئيس مجلس العلاقات الخارجية، وأحدث مؤلفاته كتاب «العالم: مقدمة موجزة» (Penguin Books, 2021)

Email