الجائحة حين أكدت مصير دول العالم المشترك

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

إن أكبر درس مستفاد من «كوفيد 19»، هو أن الاقتصاد العالمي يجعل المشاكل المحلية عالمية. حتى لو تمكنا من التغلب على هذا الوباء، فلا يمكننا بالضرورة أن نتغلب على الوباء المقبل - أو على مشاكل أخرى، مثل تغير المناخ، التي لها أيضاً تأثير تصاعدي غير متساوٍ، وتتطلب حلولاً عالمية. إذا لم نستخلص الدروس من هذه الجائحة، فإن جنسنا البشري يستحق أن ينقرض.

إذا أراد العقل الشرير هندسة الفيروس المثالي للقضاء على نوع حيواني، فسيختار المزيج الأمثل بين قابلية الانتقال ومعدل وفيات العدوى. ولكن للقضاء على الإنسانية، سيتعين على العقل الشرير تطوير فيروس قادر على تحييد ردود الفعل البشرية تجاهه - ليس فقط الاستجابات الفردية (التي لا تكفي للتعامل مع الوباء)، ولكن الاستجابات الجماعية أيضاً. وبالتالي، فإن الفيروس القاتل المصمم بشكل مثالي، سيكون قادراً على استغلال أوجه القصور في صنع القرار الجماعي لدينا. هذا ما يبدو أن فيروس سارس كوف 2 قد حققه.

إذا لم نؤمن بالتصميم الذكي، فلا يجب أن نؤمن بالتصميم الشرير أيضاً. ومع ذلك، يخبرنا التطور الدارويني، أن ضغط البقاء سيؤدي في النهاية إلى توليد فيروسات أكثر فعالية. قفز العديد من الفيروسات الجديدة من الحيوانات إلى البشر، ولكن لم يكن أي منها في المئة عام الماضية مدمراً مثل سارس كوف 2.

نعم، كوفيد 19 أقل فتكاً من الإيبولا، وأقل عدوى من نزلات البرد. عندما ظهرت متلازمة الشرق الأوسط التنفسية الأكثر فتكاً «ميرس» لأول مرة في عام 2012، تم احتواؤها والقضاء عليها إلى حد كبير، في غضون بضعة أشهر فقط. لماذا، إذن، ثبت أن كوفيد 19 بعيد المنال؟ لأنه يستغل نقاط ضعف مؤسساتنا. وبذلك، فإنه يلقن درساً مفيداً في ما يجب علينا إصلاحه، من أجل مواجهة التهديدات الوجودية المستقبلية.

بداية، يتحدى التقدم التصاعدي لفيروس «كورونا»، الطبيعة التفاعلية للمؤسسات الديمقراطية. مثلما تطلب الهجوم الياباني على بيرل هاربور، جر الولايات المتحدة إلى الحرب العالمية الثانية، فقد تطلب انهيار بنك ليمان براذرز، دفع الحكومة الأمريكية إلى تنظيم استجابة للأزمة المالية العالمية. «الأمريكيون»، وفقاً لاقتباس يُنسب بشكل خاطئ إلى ونستون تشرشل «يمكن الوثوق بهم دائماً لفعل الشيء الصحيح، بمجرد استنفاد جميع الاحتمالات الأخرى».

تعمل هذه الاستراتيجية بشكل جيد في سياق خطي، لكنها تنطوي على مخاطرة كبيرة في سياق تصاعدي، حيث قد يكون القيام «بالشيء الصحيح» أكثر صعوبة، عندما تتأخر الاستجابة. على الرغم من أن جميع الفيروسات تميل إلى النمو بشكل أسي إذا تركت دون رادع، إلا أن انتشار كوفيد 19 بدون أعراض، وسابق الأعراض، جعل التعامل معه أكثر صعوبة.

الحل صعب، ولكنه ليس مستحيلاً. في الوقت الحاضر، لدينا التكنولوجيا لتتبع تحركات الناس وتفاعلاتهم، لكن الديمقراطيات الليبرالية عموماً، لا تريد استخدامها. تمكن موقع إعلامي كاثوليكي، مؤخراً، من تتبع المغامرات الجنسية لكاهن رفيع المستوى، ببساطة، عن طريق استخدام بيانات الهاتف الخلوي المتاحة تجارياً. يمكن لـ «جوجل» و«فيسبوك» فعل أي شيء تقريباً، لاستهداف إعلاناتهم. ومع ذلك، في الديمقراطية، يبدو أن نفس التقنيات غير متوفرة لإنقاذ الأرواح.

تتطلب الاستجابة المشتركة الفعالة للوباء، شعوراً مشتركاً بالانتماء. وعلى الرغم من أن المجتمعات الآسيوية، الأكثر جماعية، حققت أداءً أفضل بكثير من العديد من الدول الغربية في مكافحة المرحلة الأولى من الوباء، إلا أنها لم تحقق نجاحاً جيداً في تطوير وتأمين جرعات كافية من لقاحات كوفيد 19. وهذا يؤكد حقيقة أن تطوير اللقاح، يعتمد على القدرات العلمية، وليس على قدرات المؤسسات السياسية.

كان انتشار كوفيد 19 بدون أعراض، والفتك المتنوع بشكل ملحوظ، عبر المجموعات الديموغرافية، سيئاً بدرجة كافية من تلقاء نفسه. لكن المشكلة تفاقمت بشكل رهيب، مع تعطل النظام الإعلامي في الغرب، ما أدى إلى أقصى درجات الارتباك.

قد تعني الطفرات المستمرة لفيروس «كورونا»، أن لقاحات كوفيد 19 الحالية، لن تكون كافية للقضاء على الوباء. أثرت استجابة الحكومة الهندية (أو عدمها)، على الفيروس بشكل كبير، في كل من تلك الدولة وبقية العالم. إذا كان من الصعب على الولايات المتحدة حشد استجابة مشتركة، فإن تطوير رد على مستوى الأمم المتحدة، يبدو مستحيلاً.

قد تكون التجارة والاتصالات عالمية الآن، لكن الحكم ليس كذلك. إذا أردنا الاستمرار في العيش في اقتصاد عالمي، فنحن بحاجة إلى تطوير نظام فعال للحوكمة العالمية.

* أستاذ المالية بجامعة شيكاغو ومضيف مشارك في بودكاست كابيتالينزنت

Email