التطعيم ضد «كورونا» قبل إنعاش الاقتصاد

ت + ت - الحجم الطبيعي

بما أننا لا نستطيع أن نعرف الحال التي سيكون عليها الاقتصاد العالمي في غضون ستة أشهر من الآن، فإننا لا نعرف حتى الآن أي السياسات قد تكون أكثر ملاءمة لدفع التعافي السلس المستدام.

على ذات المنوال، ينبغي لنا أن نرفض مقترحات «تهدئة» الاقتصاد العالمي من أجل تجنب حدوث دوامة تضخمية غامضة أو عودة حراس سوق السندات في المستقبل. ينبغي لنا أن نتصدى لفيروس «المتحور دلتا» بتسخين الاقتصاد وليس تهدئته.

يواجه العالم كارثتين تجعلان أزمة مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد 19) أشد سوءاً مما ينبغي لها أن تكون عليه.

تتمثل الكارثة الأولى في ظهور«المتحور دلتا»، الذي تبين أن عدواه أشد بمرتين وأنه أكثر فتكاً بنحو 1.5 مرة إلى مرتين مقارنة بفيروس كورونا الأصلي.

الكارثة الثانية أن حكومات الشمال العالمي لم تخصص الموارد اللازمة لزيادة إنتاج اللقاح إلى المستوى المطلوب لتحصين سكان العالم بحلول نهاية هذا العام. الأسوأ من ذلك أننا كلما تكاسلنا وتقاعسنا، كلما زادت احتمالية تآكل المناعة التي توفرها اللقاحات والإصابات السابقة بعدوى كوفيد 19.

نظراً لهاتين المشكلتين، من السابق للأوان الآن أن نبدأ في الحديث عن الاقتصاد العالمي «بعد الجائحة». ويجب أن تظل الصحة العامة على رأس الأولويات. أما عن الاقتصاد، فيجب أن يكون التركيز على الإبقاء على المحرك الاقتصادي الأساسي دائرا وتجنب زيادة هائلة في الفقر.

مع تفشي «المتحور دلتا»، ينبغي لنا أن نؤجل الجهود الرامية إلى إعادة الاقتصادات إلى «الوضع الطبيعي» للتشغيل الكامل للعمالة إلى ما بعد نجاحنا في اكتساب مزيج من مناعة القطيع بفضل اللقاحات والمناعة المكتسبة.

وفعلياً، علينا أن نعتني هنا في تجاوز البيروقراطية وفتح صنابير الأموال لتعبئة القدر اللازم من الموارد لتوصيل لقاحات عالية الجودة إلى كل ذراع في العالم بأسرع وقت ممكن. وبوسعنا أن نتدبر قضايا الموافقات التمويلية والتنظيمية في وقت لاحق.

لقد مر عام كامل منذ قدم لنا عباقرة التكنولوجيا الحيوية الأدوات التي نحتاج إليها للتغلّب على الفيروس. فلماذا إذن لا نزال في الموقف الذي نحن عليه الآن؟

أصبح جهلنا بمجموعة المسارات المحتملة للجائحة هائلاً. ولم تعد الصورة العالمية واضحة. وكل ما يمكننا فعله هو النظر في عيّنات أشد ضيقاً.

تُـعَـد المملكة المتحدة أحد أطباق استنبات بتري. عانت المملكة المتحدة من انعدام الكفاءة والإهمال الواسع الانتشار.

تقدم دول شرق آسيا الجيدة الأداء طبق بتري الثاني. بعد أن أثبتت فعاليتها لفترة طويلة، بدأت آليات التحكم في الانتشار التي تفوقت على العالم تتصدع الآن تحت الضغط الذي يفرضه «المتحور دلتا».

أما طبق بتري الثالث فهو الولايات المتحدة. الدرس المستفاد هنا ليس أن حكومة تفتقر إلى الكفاءة يمكنها أن تحقق عن طريق المصادفة مناعة القطيع لأن قوة صناعة التكنولوجيا الحيوية في الشمال العالمي تقف من ورائها. ولن نجد دروساً نستخلصها حول فيروس متطور يتغلب على كل تدابير قمع العدوى. الدرس الحقيقي المستفاد من الولايات المتحدة هو أنها تنتمي إلى فصيل منفرد بذاته.

إذا كانت هذه «الـسَـلَـطة» التآمرية تبدو مجنونة، فما بالكم بحقيقة مرعبة مفادها أن نحو رُبـع سكان أميركا يصدقون هذا الهراء. ويعتقد خُـمس الأميركيين أن حكومة الولايات المتحدة تستخدم لقاحات كوفيد 19 لزرع رقائق دقيقة في أجسادهم.

لنتأمل هنا العواقب المترتبة على عملية غسيل المخ الناجحة هذه. إن الدولة حيث تتمكن وسائل الإعلام الحاقدة الهازئة والناشطون السياسيون من إحداث هذه الانقسامات النفسية العميقة في جزء كبير من السكان تصبح شديدة التعرض لمجموعة واسعة من التهديدات.

* نائب مساعد وزير الخزانة الأمريكي سابقاً، وأستاذ الاقتصاد بجامعة كاليفورنيا في بيركلي

 

Email