حين تتلازم مسارات تحدي «كورونا» والعولمة

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

تظل جائحة «كورونا» تشكل تهديداً جسيماً في عالمنا، فحصيلة الوفيات تتجاوز حتى الآن الرقم المعلن بمرات عدة، وهو ما يرجع في بعض الحالات إلى أنظمة التسجيل المعيبة وخفض الأرقام عمداً بأوامر من قادة شعبويين في البرازيل، والهند، والمجر، وأماكن أخرى. وبالمثل، تأتي العواقب الاقتصادية بالغة الضخامة.

حيث تشير التقديرات إلى أن الجائحة تسببت في تقليص الناتج المحلي الإجمالي العالمي بأكثر من 3 %. كما انزلق ما يقرب من 100 مليون إنسان إلى براثن الفقر المدقع مرة أخرى.

واتسعت فجوات التفاوت بين البلدان وداخلها. ونجد أن الأموال اللازمة لتغطية تكاليف التحصين على مستوى العالم أقل من المطلوب بمليارات الدولارات. تضع الحكومات بلدانها في المرتبة الأولى من الأهمية، حتى على الرغم من ظهور متحورات من الفيروس سريعة الانتشار بين السكان غير المحصنين في أماكن أخرى، ورغم أن هذه المتحورات لا تبالي بحدود سياسية.

ما يجعل هذه التطورات أكثر إثارة للإحباط هو أننا نعرف ماذا يتعين علينا أن نفعل حيال «كوفيد 19» ونمتلك الوسائل اللازمة للقيام بذلك. فالآن أصبح لدينا العديد من اللقاحات الآمنة والفعّالة إلى حد غير عادي. ولا يتطلب الأمر سوى زيادة الإنتاج لتلبية الطلب العالمي.

أصبح ذِكـر صيف 2021 مرتبطاً بدرجة كبيرة بجائحة مرض فيروس (كوفيد 19) الجارية، وتسارع تغير المناخ. وكلا الأمرين من مظاهر العولمة وواقع عالَـم يتسم على نحو متزايد بتدفقات ضخمة وسريعة عبر الحدود لكل شيء تقريباً، من السلع والخدمات ورأس المال إلى الإرهابيين والأمراض.

لم يظل فيروس كورونا القاتل الذي ظهر لأول مرة في ووهان في الصين محصوراً هناك، ومن المؤكد أن غازات الانحباس الحراري الكوكبي المنبعثة في أي مكان تزيد من سخونة الغلاف الجوي والمحيطات في كل مكان.

يظهر هذا القصور المؤسف الذي يعيب الجهود المبذولة في التصدي لجوانب من العولمة تنطوي على مشكلات معقدة. وقد أظهر ما يسمى بالمجتمع الدولي مرة أخرى إلى أي مدى ينطبق عليه وصف مجتمع. الواقع أن الإمدادات من لقاحات «كوفيد 19» تقل بمليارات الجرعات عن المطلوب. على نحو مماثل، في بعض البلدان، مثل الولايات المتحدة، المطلوب هو العكس:

زيادة الطلب لتلبية العرض المتاح. الواقع أن التردد في التعامل مع اللقاحات، الذي تفاقم بفعل السياسات الحزبية أو المعلومات المضللة المتداولة عبر وسائط التواصل الاجتماعي، وقنوات التلفزيون، والبرامج الحوارية الإذاعية، أصبح منتشراً بدرجة بالغة الخطورة.

إذا جرى استكمال التطعيم بتدابير الصحة العامة الكفيلة بإبطاء انتشار المرض ــ ارتداء أقنعة الوجه، والتباعد الاجتماعي، وإتاحة الاختبارات الدقيقة بسهولة، وتتبع المخالطين، والحجر الصحي ــ فسوف تتراجع أعداد الإصابات وتقل حدتها بشكل كبير، وتتلاشى الجائحة كما نعرفها.

وصلت تأثيرات الأزمة الأخرى، تغير المناخ، بسرعة أكبر مما توقع كثيرون. لسنوات، كان الاتجاه السائد متمثلاً في تأجيل أي استجابة منسقة لهذا التهديد، على الرغم من الأدلة الواضحة المتنامية التي تؤكد ارتفاع درجة حرارة الكوكب. وكما هي الحال غالباً، يأتي العاجل ليزاحم المهم. لكن صيف 2021 أثبت أن تغير المناخ قضية مهمة وعاجلة في آن.

والتأثيرات عديدة. في الولايات المتحدة، خرجت حرائق الغابات في الغرب عن نطاق السيطرة مع ارتفاع درجات الحرارة، وأضحى الضباب الدخاني يغطي مساحات شاسعة من البلاد. وتشهد أوروبا والصين فيضانات عارمة.

وفي أفريقيا، وأمريكا اللاتينية، والشرق الأوسط، تظهر علامات الجفاف الممتد. كانت الخسائر في الأرواح متواضعة نسبياً، لكنها من الممكن أن تتزايد بشكل كبير. وسوف تتصاعد التأثيرات الاقتصادية على نحو مماثل. وترتفع بشكل حاد أعداد النازحين داخلياً أو أولئك الذين يضطرون إلى الهجرة، حيث أصبحت مساحات شاسعة من الأراضي غير ملائمة لحياة البشر.

يكثر الحديث حول كيفية إبطاء تغير المناخ، لكن الأمر لا يتعدى الأحاديث في الأغلب الأعم.

هذا أمر بالغ الأهمية، ولكن من الواضح أن العديد من البلدان تركز بشكل أكبر على النمو الاقتصادي بأي ثمن، وهي غير قادرة على تبني مسارات للطاقة من شأنها أن تقلل بشكل ملموس من مساهماتها في تغير المناخ، أو غير راغبة في ذلك.

ويبقى أن نرى ما إذا كانت الإرادة متوفرة لتبني التعريفات الكفيلة برفع أسعار السلع التي تنتجها مصانع تعمل بإحراق الفحم، أو فرض عقوبات على الحكومات التي ترفض الكف عن تدمير الغابات المطيرة التي تمتص ثاني أكسيد الكربون. يتعين علينا أن نحدد أيضاً ما إذا كانت البلدان الأكثر ثراءً على استعداد لتوفير الأموال والتكنولوجيات التي تحتاج إليها البلدان الأكثر فقراً للتحول إلى مزيج من الطاقة أكثر اخضراراً.

من ناحية أخرى، على الرغم من كون التركيز على إبطاء تغير المناخ أمراً ضرورياً، فإنه غير كافٍ.

* رئيس مجلس العلاقات الخارجية في أمريكا.

 

Email