الجمود الخطير في البلقان

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

مع اقتراب الحرب في أفغانستان من نهاياتها الممكنة، بعد مرور عقدين من الزمن، حري بنا أن نتذكر أن ثلاثة عقود قد مرت حتى الآن منذ اندلاع الحرب في البلقان، والحق أن كلتا الحربين بمثابة دراسة حالة تنبئنا كيف يُمكن أن يُخلف سوء إدارة الحرب آثاراً مدمرة تستمر لعقود.

في البلقان، نشبت حرب صغيرة بين دولة يوغسلافيا المتفككة وسلوفينيا، إحدى جمهورياتها التأسيسية، ثم أعقب ذلك صراع أكبر في كرواتيا. في غضون عام، اندلع صراع عنيف في البوسنة والهرسك أيضاً. وفجأة، انتهت فترة «ما بعد الحرب» في أوروبا.

احتدمت حروب البلقان على مدار عقد من الزمن، ثم أنهت اتفاقية دايتون للسلام الصراع في البوسنة في عام 1995، لكن بعد ذلك بدأت حرب كوسوفو، التي استمرت حتى عام 1999 وأعقبها في عام 2001 اندلاع أعمال عنف خطيرة فيما يعرف الآن بمقدونيا الشمالية.

باختصار، أودت حروب البلقان بحياة أكثر من 100 ألف شخص، وشردت ملايين الأشخاص، وعطلت التنمية الاقتصادية والاجتماعية في المنطقة لعقود من الزمن. وعلى الرغم من أن يوغسلافيا القديمة كانت تعتمد على الائتمان إلى حد كبير، إلا أنها منحت مواطنيها مستوى معيشياً أفضل من نظرائها الاشتراكيين، لكن تفكك البلاد العنيف والطويل الأمد غيّر كل ذلك.

لم تكن اتفاقيات السلام التي رُقِّعت معاً في ذلك الوقت سوى مجرد إجراءات مؤقتة، حيث أدرك جميع الأطراف أن الاستقرار الدائم يتطلب إطاراً أوسع وأكثر شمولاً. وهكذا، في عام 2003، أعلن قادة الاتحاد الأوروبي أنه ينبغي لجميع دول المنطقة أن تعمل نحو مستقبل يسوده الاستقرار والسلام الدائم داخل الاتحاد الأوروبي.

لم يتوقع أحد أن يحدث ذلك بين عشية وضحاها، ولكن لم يعتقد أحد أيضاً أن عملية الاندماج ستستغرق وقتاً طويلاً كما جرى. فمنذ انضمام سلوفينيا وكرواتيا في عامي 2004 و2013 على التوالي، توقف توسع الاتحاد الأوروبي في البلقان عملياً.

يوجد سببان لحدوث ذلك. أولاً، كان الإصلاح السياسي والاقتصادي في دول البلقان غير الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بطيئاً على نحو مزعج، وفي الوقت ذاته، ترسخت أوجه الفساد والمشاعر القومية أكثر من أي وقت مضى. ثانياً، تلاشى تقديم الدعم من جانب العديد من دول الاتحاد الأوروبي من أجل مزيد من التوسع.

وعلى الرغم من أن السياسيين ما زالوا يتشدقون بالفكرة، إلا أن العقبات والتأخيرات الجديدة تُقابَل عادة بارتياح في العديد من الدول الأعضاء الرئيسية.

علاوة على ذلك، تُعد المشاكل القائمة داخل دول البلقان خطيرة. فبعد مرور ربع قرن على اتفاقية دايتون، يرى المجتمع الدولي أن البوسنة تعاني خللاً وظيفياً من الناحية السياسية لدرجة تستدعي تعيين ممثل أعلى جديد يتمتع بسلطات واسعة النطاق (كنت أول من شغل هذا المنصب، حيث خدمت من 1995 إلى 1997)، الأمر الذي يُعرقل بفعالية أجندة انضمام البلاد إلى الاتحاد الأوروبي.

في هذه الأثناء، أصبحت صربيا تحت مظلة نظام يغازل الصين تارة وروسيا تارة أخرى، كل ذلك بينما يواصل ممثلوها الظهور بوجه طيب في المفوضية الأوروبية في بروكسل. وعلى الرغم من الجهود الهائلة التي يبذلها كل من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، إلا أن القضايا العالقة بين صربيا وكوسوفو لا زالت بعيدة عن الحل.

أخيراً، بعد منع اليونان انضمام مقدونيا الشمالية إلى الاتحاد الأوروبي (بسبب نزاع حول اسمها)، تجد البلاد نفسها الآن مُعرضة للتصويت ضدها من قبل بلغاريا لأسباب تعود إلى تاريخ المنطقة (لكنها تفتقر إلى أي أهمية معاصرة).

مما يزيد الأمور تعقيداً، أن كفاح الاتحاد الأوروبي لكبح جماح هجمات الحكومتين المجرية والبولندية على سيادة القانون ووسائل الإعلام المستقلة قد قلل من رغبته في المخاطرة مع الأعضاء الجدد الذين يُحتمل أن يكونوا غير ليبراليين. فعندما تُقدم المجر دعمها الحماسي لصربيا في سعيها نحو الانضمام، ترى العديد من البلدان الأخرى في الاتحاد الأوروبي أجندة خفية ينبغي حظرها.

لا شك أن مبادرة الاتحاد الأوروبي في عام 2003 كانت خطوة استراتيجية شجاعة وحكيمة، لكن الآن، بينما تتلاشى إمكانية دمج دول البلقان في الاتحاد الأوروبي، لا يمكن أن تستمر المسرحية الحالية. وبدلاً من ذلك، ينبغي للقادة السياسيين قبول الواقع والبدء في رسم خطوات انتقالية واقعية من شأنها أن تحسن الظروف في المنطقة دون التخلي عن الهدف النهائي.

ثمة نقطة انطلاق جيدة، وهي مبادرة البلقان المفتوح، التي صُممت بهدف زيادة التجارة بين ألبانيا ومقدونيا الشمالية وصربيا، لكن هذا ليس كافياً. في الواقع، يجب أن يأخذ الاتحاد الأوروبي زمام المبادرة من خلال اقتراح ترتيب جديد يتضمن منح هذه البلدان عضوية في الاتحاد الجمركي والسوق الموحدة التابعين له.

قبل ثلاثة عقود، بدأت حروب البلقان بنزاع صغير استمر لمدة عشرة أيام على حدود سلوفينيا. الآن، سلوفينيا هي التي تتولى الرئاسة الدورية لمجلس الاتحاد الأوروبي. وتشمل أجندة قيادتها عقد قمة بين جميع دول غرب البلقان والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي في أكتوبر المقبل. وينبغي أن تدفع تلك المناسبة نحو تفكير واضح وواقعي من قبل جميع الأطراف.

الخيار البديل بالنسبة إلى غرب البلقان هو التراجع إلى الوراء نحو العنف، لقد حدث هذا الأمر من قبل، وهو يحدث الآن في أفغانستان، ولا يجب أن يحدث مرة أخرى في أوروبا.

* كارل بيلت رئيس وزراء السويد ووزير خارجيتها سابقاً.

 

Email