مواجهة التحديات العالمية من منطلق حقوق الإنسان

ت + ت - الحجم الطبيعي

كشفت جائحة كوفيد 19 عن أوجه التفاوت الحاد الذي تعانيه المجتمعات، في ما يتعلَّق بالعرق والجنس، والانتماء الطبقي، وفاقمها. وسلَّطت الضوء أيضاً على عدم قدرة العديد من الأنظمة السياسية على الاستجابة للوباء بطرق تحمي حقوق الإنسان الفردية وكرامته. ولن يعيد العالم البناء من هذه الأزمة، ولن تكون لديه أي فرصة لمواجهة التهديدات الوجودية الواسعة النطاق، مثل تغير المناخ، حتى نتمكَّن مرة أخرى من غرس الشعور بالأمل في الحياة السياسية والمدنية.

ولحسن الحظ أنَّ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، يتضمَّن بالفعل خريطة طريق ترشد البشرية نحو المضي قُدماً. إنَّ هذا الإعلان الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1948، مُهمٌّ اليوم، بقدر ما كان في خضم الدمار المادي والمعنوي الذي سبَّبته الحرب العالمية الثانية.

وتنصُّ المادة 1 من الإعلان، بكل وضوح، على حقيقة ثابتة: «يولد جميع البشر أحراراً ومتساوين في الكرامة والحقوق». ولتحقيق هذه الرؤية اليوم، يجب الضغط على القادة، حتى يتجاوزوا حدود الكلام اللطيف، ويلتزموا بأفعال هادفة وقابلة للتطبيق وللقياس. وعلى وجه الخصوص، يجب أن يضمنوا التوزيع العالمي العادل للقاحات كوفيد 19، وتقديم الدعم المالي الكافي للبلدان الأكثر عرضة لويلات تغيُّر المناخ.

إنه لمن الضروري أن يتعلَّم القادة من أخطائهم، وأن يلتزموا بتوصيات فريق الخبراء المستقل، المعني بالتأهب للجائحة والاستجابة لها. وفقط النظم الصحية الممولة بصورة مناسبة، والمتكاملة، والمنظمة، ستكون قادرة على تحمُّل الأوبئة، وحالات الطوارئ الصحية في المستقبل.

وينبغي أن تعزّز البلدان ما وضعته من أهداف، لخفض الانبعاثات على المدى القريب، قبل مؤتمر كوب 26، وما زلنا ننتظر أن تقوم بذلك الجهات الرئيسة المسبّبة للانبعاثات. وفضلاً عن ذلك، ينبغي للدول الغنية، إعادة بناء الثقة، من خلال اتخاذ إجراءات تبيّن رفع مساهماتها في تمويل المناخ- بما في ذلك تخصيص حصة أكبر للتكيف- لتوفير 100 مليار دولار سنوياً، تمَّ التعهُّد بها منذ فترة طويلة لمساعدة البلدان النامية، على مكافحة الاحتباس الحراري وآثاره.

وهناك خيطان مشتركان يربطان بين التحديات المشتركة التي نواجهها في الدفاع عن حقوق الإنسان، والتغلُّب على الوباء، ومعالجة أزمة المناخ، وهما: الحاجة إلى اليقظة ضد التراخي، ومسؤولية العمل من أجل الصالح العام. وفي هذه الأوقات العصيبة، يمكننا جميعاً أن نستمدَّ الإلهام من قائد لم يتزعزع أبداً في التزامه بحقوق الإنسان والعدالة، وهو نيلسون مانديلا.

ومن المفارقات التاريخية، أنَّ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، اعتُمد في نفس العام الذي أَسَّست فيه جنوب أفريقيا نظام الفصل العنصري. ولكن مانديلا رأى قوة الإعلان وإمكاناته على الفور. وتحدث في عام 1997، بصفته رئيساً لجنوب أفريقيا، فقال: «في واحدة من أحلك لحظاتنا، كانت الكلمات البسيطة والنبيلة التي تضمَّنها الإعلان العالمي، بمنزلة بصيص أمل مفاجئ بالنسبة لجميع معارضي هذا النظام الخبيث».

إننا اليوم بحاجة أكثر من أي وقت مضى، إلى إعادة تأكيد مبادئ الإعلان الخاصة بالتضامن والجهود المشتركة التي عبّر عنها مانديلا بقوة طوال حياته، واكتشافها من جديد. ومهمتنا الآن، ليست «إعادة البناء بصورة أفضل»، لأننا لا نستطيع إعادة البناء من الوضع السابق، الذي أنتج أنظمة غير منصفة وغير فعّالة. بالأحرى، يجب أن «نتطلَّع إلى غدٍّ أفضل»، ونحشد جهودنا بالأمل والانضباط والتصميم لبناء عالم مستدام، وسلمي، وعادل للأجيال القادمة.

* رئيسة إيرلندا السابقة والمفوَضة السامية السابقة للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، وتشغل حاليّاً منصب رئيسة منظمة الشيوخ العالمية

Email