التعويم العظيم

ت + ت - الحجم الطبيعي

قبل خمسين عاماً، أعلن الرئيس ريتشارد نيكسون مساء يوم الأحد الموافق 15 أغسطس 1971، في ختام اجتماع أزمة دام ثلاثة أيام، أن الولايات المتحدة تعتزم، بشكل استباقي، إغلاق «نافذة الذهب»، المرفق المالي الذي من خلاله أتاحت الولايات المتحدة الذهب للحكومات الأجنبية والبنوك المركزية بسعر 35 دولاراً للأوقية. من منظور من عاصروا ذلك الحدث والمؤرخين على حد سواء، كان إعلان نيكسون بمثابة نهاية، أو على الأقل بداية نهاية نظام بريتون وودز النقدي والمالي الدولي. وكان يعني أيضاً نهاية، أو على الأقل بداية نهاية، الهيمنة الاقتصادية والنقدية الأمريكية. كانت فترة ما بعد الحرب، عندما كان بوسع الولايات المتحدة أن تحدد من جانب واحد البنية النقدية والمصير المالي للعالم الحر، تقترب من نهايتها.

أو هل كان الأمر كذلك حقاً؟ ما الذي انتهى على وجه التحديد بقرار نيكسون؟ من الواضح أنه أنهى العصر الذي كان فيه الدولار مرتبطاً بقوة بالذهب بسعر ثابت للعملة المحلية، وعندما كانت عملات أخرى مرتبطة بذات القدر من القوة بالدولار. على مدار الأشهر الأربعة اللاحقة، تم التوصل إلى اتفاق أُعـيد بموجبه تقييم العملات الأوروبية والين الياباني بمتوسط %10، وارتفع سعر الذهب بالدولار من 35 دولاراً إلى 38 دولاراً للأوقية، واتسعت نطاقات التقلب المحيطة بتعادلات سعر الصرف الجديد من +/‏‏- %1 إلى +/‏‏- %2.25. بهذه الطريقة، بات من الممكن على الأقل الحفاظ على واجهة نظام بريتون وودز النقدي الدولي.

في كتابه الجديد «ثلاثة أيام في كامب ديفيد: كيف أفضى اجتماع سري في عام 1971 إلى تحول الاقتصاد العالمي»، يصف جيفري جارتن كيف وصلنا إلى هذه النقطة. ينصب تركيزه على عطلة نهاية الأسبوع في أغسطس من عام 1971 عندما اجتمع فريق المفكرين الاقتصاديين في إدارة نيكسون في كامب ديفيد لرسم مسار جديد. في الجزء الأول من سرده للقصة، يقدم جارتن طاقم الشخصيات: نيكسون، ووزير الخزانة جون كونالي، ووكيل وزارة الخزانة بول فولكر (المسؤول عن صياغة الخطط النقدية الدولية في الإدارة)، ومدير مكتب الإدارة والميزانية جورج شولتز، ورئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي آرثر بيرنز. ثم يسرد جارتن أحداث نهاية الأسبوع، ساعة بساعة، بالاستعانة بوثائق رسمية، أشرطة نيكسون ومذكرات ويوميات، بما في ذلك تلك التي تركها فولكر وبيرنز، فضلاً عن مقابلات مهمة مع المشاركين.

لا يدور كتاب جارتن حول رسم مسار إلى الأمام، وهو لا يقدم أي اقتراحات. غير أن آخرين وضعوا مقترحات وخططاً للإصلاح النقدي الدولي. من المساهمات البارزة الأخيرة في هذا السياق كتاب خوسيه أنطونيو أوكامبو، بعنوان «إعادة ضبط (اللا) نظام النقدي الدولي. يُـعَـد أوكامبو، وهو أستاذ في جامعة كولومبيا ووزير مالية كولومبيا السابق، من المنتقدين البارزين للنظام النقدي العالمي القائم على الدولار الذي يقوده صندوق النقد الدولي. الواقع أن كتابه يوصي بذاته ــ خاصة وأنه يمكن تنزيله مجاناً من موقع المعهد العالمي لأبحاث اقتصاد التنمية التابع لجامعة الأمم المتحدة.

يبدو الأمر وكأن الجميع يريدون الإصلاح، لكننا لن نجد أي إجماع حول ما ينبغي لهذا الإصلاح أن يستلزم. والحق أن ما كتبه جارتن عن عام 1971 ــ عن وجود خلافات عميقة حول بنية النظام النقدي الدولي اللائقة ــ لا يزال صادقاً حتى يومنا هذا. وما لم تتغير هذه الحال، فسوف يظل اللانظام قائماً.

* أستاذ الاقتصاد في جامعة كاليفورنيا في بيركلي، وهو مؤلف العديد من الكتب، ومنها كتاب «الإغواء الشعبوي: مظالم اقتصادية وردود فعل سياسية في العصر الحديث»

Email