تردد في أخذ اللقاح أم عنصرية ممنهجة؟

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

عندما بدأت الولايات المتحدة في طرح لقاحات «كوفيد 19» في وقت سابق من هذا العام، تأخر تلقيح السكان السود عن نظرائهم البيض. وافترض الكثيرون أن هذا التأخر يرجع إلى اختيارهم. إذ من المفترض أن يكون تاريخ الانتهاكات الطبية ضدهم قد ترك الأمريكيين من أصول أفريقية غير واثقين من تدخل المسؤولين في الصحة العامة. ويُزعم أن شكوكاً مشابهة بشأن أخذ اللقاحات أعاقت جهود تلقيح السكان الأفارقة.

ولكن هذا السرد لا يتعدى كونه تعتيماً على الحقيقة.

من المؤكد أن مجتمعات الأقليات وسكان البلدان النامية قد يتعاملون مع الخدمات الصحية بحذر، وذلك لسبب وجيه. إذ هناك الكثير من حالات الإساءة الطبية ضد الأمريكيين من أصول أفريقية، بما في ذلك التجارب في مجال طب النساء التي أجراها «جي ماريون سيمز» على النساء السود المستعبدات في القرن التاسع عشر، ودراسة توسكيجي للزهري التي استمرت أربعة عقود، والتي أثبتت إصابة رجال سود ولكنهم لم يخضعوا للعلاج.

لكن تبرير معدلات التطعيم المنخفضة لــ«كوفيد 19» بالتردد بشأن أخذ اللقاح، هي وسيلة يستخدم من خلالها المحللون ومقدمو الرعاية الصحية التاريخ لإيذاء نفس المجتمعات من جديد. إذ لا ينبغي السماح لصانعي القرار بالتهرب من المسؤولية عن إخفاقهم في تقديم الخدمات للفئات المهمشة بالصورة المناسبة، عن طريق التذكير بلاإنسانية مهنة الطب في الماضي. وبالأحرى، يجب أن تسلط هذه الأحداث المروّعة الضوء على العنصرية النظامية المتجذرة التي تسود الرعاية الصحية اليوم، وأن تحفز على العمل لمعالجتها.

وتجنباً لأي لُبس، فالعنصرية في الرعاية الصحية ليست شيئاً من الماضي. إذ في الولايات المتحدة وأماكن أخرى، واجهت الأقليات الإثنية والعرقية مخاطر أكبر بالإصابة بفيروس «كورونا» المستجد، أو الوفاة جراء العدوى. ويشكل السود غير اللاتينيين %12 من سكان الولايات المتحدة، ولكن %34 من وفيات فيروس «كورونا» (في المدن والولايات التي أبلغت عن الوفيات على أساس العنصر والأصل الإثني).

ومن الواضح أن هذا ليس اختياراً. ولكنه بالأحرى، يعكس الحواجز التي تواجه الأقليات الإثنية والعرقية في الحصول على الرعاية الطبية والعلاج، فضلاً عن عدم المساواة في المجالات الأخرى التي تؤثر على النتائج الصحية، مثل التعليم، والثروة، وظروف مكان العمل، والإسكان.

إن نفس الحواجز وأوجه عدم المساواة التي أضعفت مجتمعات الأقليات الإثنية والعرقية تقوّض أخذ اللقاح. وخطة إطلاق اللقاح في شيكاغو خير مثال على ذلك. فقد أرادت المدينة إيصال الجرعات من خلال الصيدليات المجاورة. ولكن هذا من شأنه أن يستثني السكان من غير البيض الذين يعيشون فيما يسمى بـ«صحارى الصيدليات». وهذه المجتمعات نفسها أقل احتمالاً للوصول إلى الإنترنت بصورة يعوّل عليها، مما يجعل التسجيل للحصول على جرعة اللقاح أمراً صعباً بالنسبة لهم. كذلك، فإن الادعاءات القائلة بأن كل ما في الأمر أن الأفارقة يرفضون التطعيم تتجاهل الإهانات التي يتعرضون لها في الدول الغنية. والواقع أنه لا يملك معظم الأفارقة ترف اختيار ما إذا كانوا يريدون اللقاح أم لا، لأن الدول الغنية ما فتئت تخزّن الجرعات.

وفضلاً عن ذلك، غالباً ما لا تحظى اللقاحات التي يمكن للأفارقة الحصول عليها- إلى حد كبير تلك التي طورت في الصين، وروسيا، والهند- بالموافقة في البلدان الغنية، وقد تكون أقل فاعلية بكثير من، على سبيل المثال، لقاحات الحمض النووي الريبوي المرسال التي تنتجها شركة فايزر وموديرنا (التي سعى عدد كبير من مواطني أمريكا الشمالية وأوروبا إلى أخذ لقاحها). فكيف يمكن للدول الغنية أن تلوم الأفارقة على ترددهم في قبول اللقاحات التي رفضوها هم أنفسهم؟

وما يزيد الطين بلة هو أن حفنة من البلدان الغنية، بقيادة الولايات المتحدة، أمضت شهوراً في عرقلة المفاوضات بشأن التنازل الطارئ عن قوانين الملكية الفكرية لمنظمة التجارة العالمية، بشأن علاجات ولقاحات «كوفيد 19»، التي من شأنها أن تمكن من التوسع السريع في الإنتاج، وذلك من أجل حماية مصالح الشركات. كذلك، خلال أزمة فيروس نقص المناعة البشرية/‏الإيدز في التسعينيات من القرن الماضي، وأوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، انتصرت السياسة ومبدأ تحقيق الأرباح على الحتمية الأخلاقية لضمان الحصول على العلاج بأسعار معقولة، مما أدى إلى مئات الآلاف من الوفيات بلا داع في جنوب الكرة الأرضية، وخاصة في أفريقيا. وغيّرت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن موقفها مؤخراً، وهي الآن تدعم التنازل. ولكن، مرة أخرى، ضاع وقت ثمين، وفقدت أرواح لا حصر لها. وإذا كان السكان الذين يتم التقليل من قيمة حياتهم بلا هوادة لا يثقون في النظام، فهل هذا خطأهم، أم أنه خطأ الجهات التي تشكل هذا النظام؟

إن السكان من غير البيض يريدون لقاح «كوفيد 19». وفي مارس كشف استطلاع أجرته مؤسسة Morning Consult أن الفجوات العرقية في الاستعداد لأخذ اللقاح في الولايات المتحدة تتقلص. واعترف جورج بنجامين، المدير التنفيذي لجمعية الصحة العامة الأمريكية، في أبريل قائلاً: «لقد بالغنا في مسألة التردد» و«قللنا من أهمية قضايا الوصول الهيكلية».

وينطبق الشيء نفسه على سكان أفريقيا. ففي ديسمبر الماضي، أشارت دراسة استقصائية أجرتها المراكز الأفريقية لمكافحة الأمراض والوقاية منها، بالشراكة مع كلية لندن للصحة والطب الاستوائي، إلى أن 79 % من الأفارقة سيأخذون لقاح «كوفيد 19» إذا اعتبر آمناً وفعالاً. إن ضمان حصول هذه المجموعات على التلقيح يقع على عاتق قادة بلدانها. وهذا يعني إزالة الحواجز التي تحول دون الوصول إليها، والعمل لكسب ثقة الجمهور. وخير مثال على ذلك مركز السيطرة على الأمراض في أفريقيا، حيث يلتقي بالفئات السكانية الضعيفة أينما كانت، ويستمع إلى توقعاتها ومخاوفها ويعترف بها، ويعزز التواصل مع نظام الصحة العامة.

ومن المتوقع أن تستمر البلدان والمجتمعات الأوفر حظاً في وضع احتياجاتها الخاصة في المقام الأول. بل قد تستمر في تجاهل حياة الفئات الضعيفة من السكان. ولكن هذا الاستمرار يدل على جائحة لا نهاية لها.

* رئيس التحالف الأفريقي، ومراقب المجتمع المدني في صندوق (روبرت كار)، والرئيس المشارك لركيزة المشاركة المجتمعية لتحالف توصيل اللقاحات التابع للمركز الأفريقي لمكافحة الأمراض، وعضو مؤسس في مجموعة موارد الدعوة للقاحات، وزميل في مبادرة (أسبين نيو فييسز) لعام 2021

** عالم مرموق في مركز (فريد هاتش)، مدير العلاقات الخارجية في شبكة تجارب لقاح فيروس نقص المناعة البشرية وشبكة الوقاية من «كوفيد 19»، وأستاذ ومساعد إكلينيكي للصحة العالمية في جامعة واشنطن

** المنسقة الأفريقية للتحالف العالمي لللقاحات، وتقود الشراكات في مجموعة التحالف الأفريقي

Email