ما الدور المُفتَرض لمساعدات التنمية؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

تمثل مساعدات التنمية إحدى أهم أدوات السياسات التي تمتلكها الدول الغنية لتحويل الموارد لمساعدة الدول الفقيرة. ففي الفترة بين عامي 1960 و2013، قدمت دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية من مساعدات التنمية الرسمية ما قيمته 3,5 تريليونات دولار (حسب متوسط قيمة الدولار عام 2009)، فيما حصلت الدول الإفريقية على 568 مليار دولار تقريباً (حسب متوسط قيمة الدولار عام 2003).

غير أن مدى فعالية مساعدات التنمية الرسمية تمثل مصدراً لجدال كبير. وقد ذهب وليام إيسترلي، الاقتصادي السابق بالبنك الدولي، وأنجوس ديتون، الاقتصادي الحائز جائزة نوبل، في سياقين منفصلين، إلى أن المساعدات فشلت في تحفيز تحسينات متواصلة في الدول الفقيرة، بل ربما تسببت في تفاقم الأحوال سوءاً على سوء. وذهبت الاقتصادية دامبيسا مويو إلى ما هو أبعد من ذلك بالقول إن المعونات لم تفعل شيئاً إلا زيادة اعتماد الدول النامية على المساعدات الخارجية.

يتخوف هؤلاء المنتقدون وغيرهم من احتمال أن يفضي توافر المساعدات الخارجية إلى تقليص الحوافز لدى الحكومات المستفيدة لتحسين وتطوير المؤسسات في بلادها. ونظراً لاحتمال سرقة أموال المساعدات – وهذا ما يحدث في الغالب – من قِبل الموجودين في السلطة، فقد تتسبب تلك المساعدات في تشجيع الفساد، أو تستخدمها الجماعات المسلحة لتغذية الصراعات العنيفة. وبقدر ما تساهم به المساعدات من تأجيج التنافس على موارد رأس المال البشري النادرة كالأطباء والممرضات والمعلمين، فإنها قد تعوّق تنمية قدرات الدول أيضاً.

هناك خيط مشترك يربط بين قصص المساعدات غير المجدية. في كل حالة نجد أن الأموال والخدمات إما أن تُعطى في شكل تحويلات للحكومة القائمة، وإما أن تُوَصَّل من خلال المنظمات غير الحكومية والمجموعات الأخرى التي لا ترتبط بعلاقات مع الحكومة.

مبدئياً، يفترض أن تكون أي حكومة أكثر دراية من المؤسسات الأجنبية باحتياجات بلدها، وينبغي لها أن تكون قادرة على تقليل تكلفة تنفيذ المساعدات بتقوية البنية التحتية الموجودة لتقديم الخدمات. فضلاً عن ذلك، فإن تحويل الموارد إلى حكومة قائمة هو أكثر الأنماط مباشرة للتوصيل بالنسبة للمانحين. ولكن المشكلة في هذا الخيار بلا شك أنه يفترض الكفاءة وحسن النية في الحكومة، وهما شرطان نادراً ما يتوافران في البلدان الفقيرة.

في المقابل، تستطيع المنظمات غير الحكومية إيصال المساعدات مباشرة إلى الناس على الأرض، وقد أظهرت كفاءة أكبر في دعم الفقراء والمحتاجين في أماكن لا يتاح فيها أي نوع من المساعدات الأخرى. بيد أن المنظمات غير الحكومية التي تعمل في مثل تلك البيئات لا تنسق غالباً مع الحكومة، الأمر الذي يعوق تنمية قدرات الدولة في الدول الفقيرة. وأحياناً تهدر المنظمات غير الحكومية الموارد بتكرار الخدمات الحكومية، أو فعل الأسوأ من ذلك وهو منافسة الحكومة على الموارد الشحيحة، كأن تقوم مثلاً «باصطياد» العمالة الماهرة من القطاع العام، وبالتالي قد تتسبب تلك المنظمات غير الحكومية في «استنزاف محلي للكفاءات»، حينما يُشتهر عنها تقديم مرتبات أفضل من الحكومة.

لا ريب في أن هذا النهج ليس ترياقاً شافياً، لأنه يستثني بالضرورة بعض الأنظمة، ولكنه يقدم مخرجاً من المعضلة الصعبة التي قيدت مساعدات التنمية في القرن العشرين، إذ تمثلت المشكلة بعدم استطاعة حكومات الدول الأكثر احتياجاً إيصال المساعدات لشعوبها بشكل فعال ومؤثر، أو بناء القدرات اللازمة لتحقيق هذه الغاية، وخاصة حينما تتجاوزها الأطراف الفاعلة غير الحكومية أو تعمل على إضعافها.

يمكن حل تلك المعضلة بإعادة تركيز المساعدات على زيادة قدرات الإدارة الحكومية المحلية. قد لا يبدو القيام بذلك على ذات القدر من الجاذبية التي تتمتع بها شعارات «القضاء على الفقر» و«نشر الديمقراطية»، ولكنه أمر ضروري للتنمية المستدامة.

* مديرة مختبر الصين وأستاذة علوم الاقتصاد الإداري واتخاذ القرار في كلية كيلوج للإدارة في جامعة نورث وِسترن

Email