ضوابط ومسارات جديدة في عملية التعليم بعد الجائحة

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

كان إغلاق المدارس أحد الإجراءات العديدة التي تبنتها الحكومات لاحتواء الفيروس، الذي أودى حتى الآن بحياة 4 ملايين إنسان. في ذروة هذه الإجراءات، انقطع أكثر من 1.6 مليار طفل عن التعليم ــ نصفهم في البلدان المنخفضة الدخل، والبلدان ذات الدخل المتوسط الأدنى.

ورغم أننا لا نستطيع استيعاب العواقب الطويلة الأمد المترتبة على التعلم المفقود على هذا النحو، والذي أثر في مئات الملايين، الذين ما زالوا يتغيبون عن المدرسة، فمن الواضح أن هذا سيخلف تأثيراً كفيلاً بتغيير حياة الأطفال الأكثر ضعفاً، وخاصة الفتيات. الواقع أن ما يقدر بنحو 20 مليون فتاة، قد لا يَـعُـدن إلى المدرسة أبداً، لأنهن أرسلن للعمل للمساعدة في إعالة أسرهن. وقد تُـجـبَر 13 مليون فتاة على الزواج المبكر، وبالتالي، التخلي عن التعليم تماماً. وبالنسبة إلى ملايين أخريات، يتسبب إغلاق المدارس في زيادة خطر الحمل في سن المراهقة، أو الوقوع ضحية للعنف المنزلي.

لكن، وعلى العموم، مع عودة العديد من البلدان إلى فتح الفصول المدرسية بحذر، تظل المدارس تشكل مقياساً حاسماً لتقدمنا نحو إنهاء أزمة مرض فيروس «كورونا» 2019 (كوفيد 19). يتعين علينا أن نحرص على الحفاظ على صحة الأطفال، في حين نعمل على حماية حقهم في التعليم، لكن الجائحة ضربت الأطفال الأكثر ضعفاً، بأكبر قدر من الشدة، وكشفت عن تفاقم فجوة التفاوت في فرص التعلم. والآن يتعين علينا أن ننتبه إلى هذه الدروس القاسية، وأن نعمل على تحويل أنظمة التعليم على النحو الذي يجعلها أكثر عدالة وإنصافاً، وأكثر فعالية وقدرة على الصمود.

نظراً لهذا الواقع المرير المحبط، فإن إعادة فتح كل مدرسة، تُـعَـد انتصاراً من الممكن أن يغير حياة الأطفال بشكل دائم نحو الأفضل. ولكن بدلاً من العودة ببساطة إلى مناهج التعلم التي كانت سائدة قبل الأزمة، يتعين علينا أن نعكف على تغيير أنظمة التعليم بالكامل. فلا يجوز لنا العودة إلى الوضع السابق، الذي اتسم بعدم تكافؤ الفرص، والنتائج التعليمية الهزيلة، حيث كان ربع مليار طفل خارج المدرسة بالفعل، وكان أكثر من نصف كل الأطفال في سن العاشرة في البلدان الأدنى دخلاً، يفتقرون إلى مهارات القراءة الأساسية.

معاً، يتعين علينا أن نسلم تعافياً عالمياً مبنياً على أساس أنظمة التعليم التي تقدم تعليماً جيداً لجميع الأطفال، أينما كان محل معيشتهم، أو مدى رخاء أو فقر أسرهم. ويجب علينا أن نبدأ بضمان قدرة الأطفال على العودة بأمان إلى المدارس التي توفر بيئة نظيفة مع تهوية فَـعَّـالة، والقدر الكافي من المراحيض، وغير ذلك من وسائل الراحة الأساسية.

تستطيع البلدان أيضاً استخدام أدوات التعلم عن بُـعد، للوصول إلى الأطفال خارج الفصول المدرسية، فتفتح بهذا إمكانات جديدة لتعليم أولئك الذين انقطعوا في السابق عن التعليم الرسمي. تسبب إغلاق المدارس بسبب جائحة «كوفيد 19»، في التعجيل بضرورة إيجاد سبل تسليم بديلة، حتى يتمكن كل طفل من مواصلة التعليم.

حتى قبل اندلاع الجائحة، كانت منظمات، تساعد في تمكين التعلم خارج الفصول المدرسية التقليدية. في أفغانستان، على سبيل المثال، أحرزت مراكز التعلم المتقدمة والتعليم المجتمعي الأسهل منالاً، والأكثر عدالة، نجاحاً ملموساً. تعطي هذه الخيارات الأطفال في المناطق النائية ــ وخاصة الفتيات اللاتي كن مستبعدات عادة من التعليم تماماً ــ الفرصة للتعلم.

في إقليمي بالوشستان والسند في باكستان، رأينا كيف يمكن أن تساعد التكنولوجيا، بما في ذلك تطبيقات الهواتف الذكية، مثل «واتساب»، في دعم المعلمين في خدمة الأطفال في المناطق التي يتعذر الوصول إليها. وأكدت سيراليون، بالاستفادة من تجربتها خلال فاشية إيبولا في الفترة من 2014 إلى 2016، على التعلم عن طريق الإذاعة خلال الأزمة الحالية، مع تمكين الأطفال، بفضل الدعم المقدم من الشراكة العالمية للتعليم، من الاستفادة من البرامج التعليمية التي جرى بثها أثناء إغلاق المدارس.

ويمكن دمج مثل هذه المبادرات في أنظمة التعليم، لجعلها أكثر شمولاً، حتى يتسنى لها تسليم التعلم على النطاق المطلوب، لمعالجة أوجه التفاوت المتبقية من الماضي. وهذا بدوره، يمكن أن يساعد في سد فجوات التعليم التي نشأت، ليس فقط بسبب جائحة «كوفيد 19»، بل وأيضاً بسبب الصراعات، أو الفقر، أو الكوارث الطبيعية، أو التأثيرات المترتبة على تغير المناخ.

من خلال توجيه الدعم من خلال حكومات البلدان الشريكة، إلى أنظمة التعليم الوطنية، ساعدت الشراكة العالمية للتعليم، حتى الآن، في إلحاق 160 مليون طفل إضافي بالمدارس، أكثر من نصفهم من الفتيات. علاوة على ذلك، تجتذب أموال الشراكة العالمية للتعليم، مساهمات مانحين آخرين، لمضاعفة الدعم المالي الذي تقدمه المنظمة، بما يتماشى مع أولويات التعليم الوطنية.

هذا النهج أساسي لتحفيز التغيير الضروري، وتقديمه على النطاق الذي تفرضه حالة الطوارئ التعليمية اليوم. حتى يومنا هذا، تتضمن 97 % من خطط قطاع التعليم المدعومة من قِـبَـل الشراكة العالمية للتعليم، استراتيجيات للوصول إلى الأطفال الأكثر تهميشاً في البلدان الأدنى دخلاً، وخاصة الفتيات والأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة.

في أعقاب الجائحة، يتعين على الحكومات أيضاً، أن تعمل على إيجاد الأموال اللازمة لحماية أنظمتها التعليمية من صدمات المستقبل. وهذا لا يعني تطوير ودمج خيارات التعلم عن بُـعد وحسب، بل وأيضاً، ضمان توفر المرافق الصحية اللائقة في المدارس، وقيامها بتعليم أسس النظافة الأساسية. يحتاج المعلمون إلى التدريب على أساليب جديدة، وينبغي لنا أن نضمن أن الأطفال الذين يعتمدون على مدرستهم للحصول على وجبة واحدة على الأقل يومياً، لن يجوعوا أثناء الأزمات. لتحقيق كل هذه الغايات، يتعين علينا أن نسارع إلى مساعدة الحكومات في البلدان المنخفضة الدخل، لضمان حماية ميزانياتها التعليمية من أي برامج تقشف تفرضها التداعيات الاقتصادية المترتبة على الجائحة. تمثل الموارد المحلية، الغالبية العظمى من تمويل التعليم، لكن الدعم الدولي قادر على الاضطلاع بدور أكبر، للمساعدة في عزل وتوسيع الموارد القائمة. وهذا من شأنه أن يسمح للحكومات، بالبدء في إعادة تشكيل التعلم، حتى قبل أن يبدأ انتعاش الاقتصادات في بلدانها.

هذا العام، تطلب الشراكة العالمية للتعليم من الحكومات، أن تتعهد بما لا يقل عن 5 مليارات دولار، من أجل تحويل التعليم لصالح الأطفال في تسعين دولة ومنطقة، حيث المدارس ليست ضرورية للتعلم وحسب، بل وتلعب أيضاً دوراً حاسماً في ضمان رفاهة الأطفال وأمنهم. الواقع أن التعليم الآمن الشامل والجيد، يُـعَـد نقطة انطلاق للتعافي من الجائحة، ووقاء ضد الأزمة التالية.

* رئيسة وزراء أستراليا سابقاً، ورئيسة مجلس مديري الشراكة العالمية للتعليم حالياً

Email