اليابان والوباء.. قصة متجددة

ت + ت - الحجم الطبيعي

حاولت إدارة رئيس الوزراء الياباني، يوشيهيدي سوجا، تهدئة مخاوف الناس من انتشار موجات أخرى للجائحة بالبلاد، فتعهدت بجلب موارد طبية إضافية، وحفظ كل الزائرين داخل «فقاعة» تغطي الفنادق، ومرافق الأحداث الرياضية، ووسائل النقل بينها. لكن أحزاب المعارضة تتهم الحكومة بالفشل في إنتاج خطة أمان مقنعة. فبعد أكثر من عام من القواعد الصارمة والتراجعات الحادة، أصبحت جماهير الناس غير مقتنعة بفاعلية الإجراءات المتخذة.

في الخامس عشر من يونيو، كان سجل التطعيم في اليابان، هو الثاني من حيث السوء على الإطلاق، بين دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الثماني والثلاثين، حيث بلغ معدل التطعيم 20.9 جرعة لكل 100 شخص. في المقابل، بلغ معدل التطعيم في المملكة المتحدة 106.1 جرعات لكل 100 شخص، وفي الولايات المتحدة 93.3 جرعة لكل 100 شخص.

ولكن لماذا تتخلف اليابان حتى الآن وراء بقية دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. بادئ ذي بدء، تأخرت الحكومة في إبرام اتفاقيات الشراء مع منتجي اللقاحات، خاصة وأن وزارة الصحة والعمل والرعاية الاجتماعية، كانت عـازفـة عن تقديم الموافقة العاجلة على اللقاحات الجديدة.

الواقع أن اليابان معروفة بتاريخ من الجدال حول الآثار الجانبية للقاحات. وأثناء أزمة مرض فيروس «كورونا» 2019 (كوفيد 19)، أصرت السلطات على إجراء التجارب السريرية على اللقاحات في اليابان قبل الموافقة، على الرغم من إجراء تجارب منضبطة عشوائية، ضمت أكثر من 40 ألف شخص في أماكن أخرى. ولم تقدم التجارب السريرية اليابانية، إلا أقل القليل من المعلومات المفيدة: فقد شملت 160 شخصاً فقط، واكتفى الباحثون بفحص الأجسام المضادة، وليس العدوى بدون أعراض. لكن اليابان أخرت، رغم ذلك، حملة التحصين لمدة ثلاثة أشهر.

تتمثل عقبة أخرى أمام برنامج التطعيم في اليابان، في قاعدة تنص على أن الأطباء البشريين والعاملين في التمريض، هم فقط المسموح لهم بإعطاء الجرعات.

لذا، فبينما يعود أهل نيويورك إلى حياة ما قبل الجائحة، يواجه اليابانيون موجة جديدة من الإصابة بعدوى كوفيد 19 وعمليات الإغلاق.

كما هو متوقع، فليس هناك ما يضمن أن موجة أخرى لن تستلزم عمليات إغلاق جديدة قريباً. من المقرر أن تقام دورة الألعاب الأوليمبية في الفترة من الثالث والعشرين من يوليو، إلى الثامن من أغسطس، ودورة ألعاب ذوي الاحتياجات الخاصة في الفترة من الرابع والعشرين من أغسطس، إلى الخامس من سبتمبر، وهذا يعني أن موجة جديدة من هذا القبيل، من الممكن أن تصبح أشبه بموجة مد عارمة (تسونامي).

أثناء دورة الألعاب، سيجري تحويل جزء كبير من الموارد الطبية في طوكيو، بعيداً عن الاستجابة لجائحة كوفيد 19، من أجل تلبية احتياجات الرياضيين المتنافسين والموظفين الداعمين لهم.

يتمثل أفضل أمل لحكومة سوجا، لاستعادة ثقة الجماهير، في توسيع حملة التطعيم بسرعة. وهذا يتطلب، بين أمور أخرى، زيادة كبيرة في عدد الأشخاص المسموح لهم بإعطاء الجرعات. ولكن حتى لو لحقت اليابان بمسار الولايات المتحدة، التي كانت قبل أربعة أشهر في وضع اليابان اليوم، فلن تحقق التطعيم الواسع النطاق قبل منتصف أكتوبر تقريباً ــ بعد فترة طويلة من عودة الرياضيين المشاركين في الألعاب الأوليمبية وألعاب ذوي الاحتياجات الخاصة إلى ديارهم.

بدون مناعة القطيع (أو شيء قريب منها) في اليابان، تظل استضافة طوكيو لدورة الألعاب الأوليمبية، رهاناً محفوفاً بالمخاطر. قد يحقق سوجا فوزاً عظيماً: فإذا كانت الألعاب ناجحة، ولم ترتفع الإصابات، فمن المرجح أن يُـعاد انتخابه كزعيم لحزبه الديمقراطي الليبرالي، وعند هذه النقطة، ربما يدعو حتى إلى انتخابات عامة مبكرة. لكن هذا لا يغير حقيقة مفادها، أنه مستعد للمقامرة بصحة الناس، وسبل معايشهم، وحياتهم.

* وزير مالية اليابان الأسبق، أستاذ الاقتصاد في كلية الشؤون الدولية والعامة في جامعة كولومبيا

Email