إعادة فتح المدارس وتحقيق «الوضع الطبيعي الجديد»

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

مع دخول جائحة كوفيد 19 عامها الثاني ومضاعفاتها، أصبحت إعادة فتح المدارس بأمان أولوية ملحة. إذ يعد الحضور المدرسي عاملاً مهماً جداً في تعليم الأطفال وآفاق حياتهم. إن التكاليف طويلة الأمد الناجمة عن عمليات الإغلاق ـ التي يتحملها الأطفال والمجتمع ـ كبيرة إلى درجة أنها لا يمكن أن تبرَر على أساس مستمر.

وتُظهر الأدلة منذ بداية الوباء، أن كوفيد 19 لا يشكل خطراً كبيراً على الأطفال، وأن المدارس ليست محركات انتقال داخل المجتمع المحيط بها. وجمعنا أيضاً قدراً كبيراً من المعرفة بشأن كيفية تقليل المخاطر التي يتعرض لها الأطفال، والمعلمون، وأسرهم. واستناداً إلى هذه المعرفة، يجب علينا جميعاً العمل بصورة عاجلة لإعادة فتح المدارس بأمان، لحماية مستقبل أطفالنا.

إن إغلاق المدارس لفترات طويلة، له تأثير كبير، ليس فقط على اكتساب مهارات الأطفال واحتمالات الكسب، بل أيضاً على صحتهم الجسدية والعقلية. فرغم أن التعليم عبر الإنترنت، يمكن أن يضمن، إلى حد ما، استمرارية التعلم بالنسبة لبعض الأطفال، إلا أن هذه الخدمات ليست بديلاً عن الحضور الشخصي. وفضلاً عن ذلك، لا يزال الوصول إلى التعلم عبر الإنترنت متفاوتاً بصورة مثيرة للأسى، حيث يتحمل الأطفال المنتمون إلى الفئات المحرومة- بمن فيهم ذوو الإعاقات، والمتضررون من الهجرة، والأقليات التي تعاني الإقصاء- وطأة أوجه القصور في التعليم الرقمي.

وتظهر الأدلة تزايد حلالات القلق، والاكتئاب، وإيذاء النفس بين الأطفال في سن التمدرس منذ بداية الوباء. ويعاني الأطفال ممن لا يحضرون الفصول الدراسية، أيضاً، من زيادة الشعور بالوحدة، وصعوبة التركيز، ومستويات عالية من القلق بشأن التعلم. وستزداد هذه المشاكل سوءاً، كلما طال أمد إغلاق المدارس.

وأدى إغلاق المدارس أيضاً إلى انخفاض النشاط البدني، وانتشار عادات الأكل السيئة، وحدوث اضطرابات في النوم. وفي بعض الحالات، أدى قضاء الأطفال لوقت أطول في المنزل، إلى زيادة خطر تعرضهم للعنف المنزلي، تماماً كما أدى قضاء وقت أطول أمام الشاشات، إلى تفاقم مخاطر أضرار الإنترنت. وإغلاق المدارس يعني إغلاق وسيلة رصد حالات العنف، ومشاكل الصحة العقلية، والإبلاغ عنها.

وفي نصف بلدان آسيا النامية تقريباً، أغلقت المدارس لأكثر من 200 يوم خلال الوباء. ويجب أن تستعد المنطقة لتراجع المكاسب المتوقعة في مهارات القراءة والرياضيات لدى الأطفال، في كل من مرحلة التعليم ما قبل المدرسي والابتدائي، ولاتساع أكبر لفجوة التحصيل بين الأطفال المنتمين إلى أوساط محرومة وبين أقرانهم.

ويحذر بنك التنمية الآسيوي، من أن خسائر التعلم الناجمة عن إغلاق المدارس الطويل الأمد، ستقلل إلى حد كبير من الإنتاجية المستقبلية للطلاب المتضررين، ومن أجورهم المكتسبة مدى الحياة في المنطقة. وتقدر القيمة الحالية لهذه الخسائر بـ 1.25 تريليون دولار- 5.4 ٪ من الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة لعام 2020. وكان تحقيق هدف التنمية المستدامة لعام 2030 المتعلق بالتعليم، يمثل بالفعل تحدياً كبيراً قبل انتشار الوباء. والآن، تفيد تقديرات اليونيسيف واليونيسكو، أن ميزانيات التعليم في المنطقة ستحتاج إلى زيادة بنسبة %7 على الأقل، للبقاء على مسافة قريبة من تلك الأهداف.ورغم التكاليف الواضحة الناجمة عن إغلاق المدارس، لا تزال العديد من البلدان مترددة في إعادة فتح المدارس، مشيرة إلى مخاوف من تزايد حالات انتقال العدوى. بيد أن تركيزنا يجب أن ينصب الآن على استخدام ما نعرفه عن كوفيد 19 وعن الأطفال، حتى نعمل من أجل إعادة فتح المدارس بصورة آمنة.

وعلى الصعيد العالمي، يمثل الأطفال نسبة صغيرة جداً من حالات الإصابة المؤكدة بكوفيد 19. فالأطفال في سن المدرسة الابتدائية والأصغر سناً، هم من بين الفئات الأقل احتمالاً للإصابة بالعدوى. وحتى عندما يصابون بكوفيد 19، فإنهم غالباً ما يظهرون أعراضاً أكثر اعتدالاً من البالغين (وهذا هو السبب في أنهم لم يسهموا بصورة كبيرة في نسبة الحالات التي تتلقى علاجاً في المستشفى أو الوفيات التي أبلغ عنها). وأظهرت دراسة أجريت على أطفال من جمهورية كوريا الجنوبية، أن الأطفال المصابين أقل احتمالاً لنشر الفيروس.

وباختصار، المدارس الابتدائية، ودور الحضانة، ومراكز تنمية الطفولة المبكرة، ليست معرضة بشدة لخطر انتقال العدوى، خاصة إذا اتُبعت تدابير السلامة الصحيحة. إذ تبين أن مستويات انتقال العدوى في هذه الأماكن، تعكس تلك المتعلقة بالمجتمع المحيط بها.

والاستثناء الوحيد المحتمل، هو المدارس الثانوية التي تسببت أكثر من المدارس الابتدائية في حالات انتقال العدوى. ونظراً لأن المراهقين، على ما يبدو، ينقلون العدوى، شأنهم في ذلك شأن البالغين، يجب أن يظل الإغلاق الجزئي للمدارس الثانوية خياراً، ولكن فقط كملاذ أخير، ولفترات محدودة، في حالات تزايد سريان العدوى في المجتمع المحلي. وعندما تضطر المدارس إلى الإغلاق مؤقتاً، يجب أن يحدث ذلك بالتزامن مع اتخاذ تدابير أخرى، تتعلق بالصحة العامة، وأخرى اجتماعية، تُتخذ جميعها على مستوى المجتمع المحلي.

ولكن الأدلة، عموماً، تشير بشكل دامغ إلى ضرورة إعادة فتح المدارس، وخاصة الحضانات والمدارس الابتدائية. وينطبق الأمر نفسه على مراكز تنمية الطفولة المبكرة. ولا يوجد شيء يسمى انعدام المخاطر. ولكن المخاطر يمكن السيطرة عليها من خلال استراتيجيات التخفيف القوية. وتتضمن إرشادات منظمة الصحة العالمية بشأن تشغيل المدارس أثناء الوباء، عدة تدابير لتقليل الإصابة بعدوى كوفيد 19 وانتقاله. وتشمل ممارسات النظافة الشخصية، والاستخدام المناسب للأقنعة، والتباعد الجسدي، والتهوية المناسبة، والتنظيف المنتظم، وتطهير الأسطح. كما أن التواصل الواضح والمتسق مع أولياء الأمور والأطفال، لضمان الامتثال في كل من الفصل الدراسي، وأثناء أنشطة ما بعد المدرسة، له نفس القدر من الأهمية.

ويجب على صانعي السياسات أيضاً، النظر في السياق المحلي لاستئناف التعلم في المدرسة، بما في ذلك عوامل مثل مستوى انتقال العدوى في المجتمع، والقدرة على الاستجابة لزيادة العدوى. وفي بعض الأماكن، ستحتاج خدمات الصحة والتعليم، إلى موارد إضافية، لتنفيذ تدابير السلامة الضرورية.

ويعد الحفاظ على اليقظة والالتزام بجميع هذه التدابير، أمراً بالغ الأهمية- ليس فقط بالنسبة للمدارس، ولكن أيضاً لتوسيع نطاق جهودنا لاحتواء كوفيد 19، بما في ذلك تطور الفيروسات المتحورة وانتشارها.

وما يبعث على السرور، هو أن إعادة فتح المدارس لا تعتمد على توافر اللقاحات. فنحن بحاجة إلى العمل لتحقيق «الوضع الطبيعي الجديد» المستدام، في الوقت الحالي. وبينما يمكن إدارة المخاطر الضعيفة نسبياً، والمتعلقة بوجود الأطفال في المدرسة بسهولة، فإن عواقب إبعادهم عن فصولهم الدراسية خطيرة وبعيدة المدى. لذا، حان الوقت لإعادة فتح بوابات المدرسة.

* المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية لمنطقة غرب المحيط الهادئ

** المديرة الإقليمية لليونيسيف لمنطقة شرق آسيا والمحيط الهادئ

Email