الإبداع والابتكار رافعتا الأعمال والتطوير في أفريقيا

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

تزخر أفريقيا اليوم بفرص الإبداعات والابتكارات الـمُـنشئة للسوق. والسؤال هو ما إذا كان اغتنام هذه الفرص يتطلب الرهان على الحظ، كما يفترض المستثمرون في ظاهر الأمر، أو على الاستراتيجيات الكفيلة بتمكين الشركات من تجنب المزالق المحيطة ببيئة التشغيل. يشير بحثنا إلى المتطلب الأخير.

يُـنـظَـر إلى أفريقيا غالباً على أنها مكان محفوف بالمخاطر مما يجعلها غير صالحة لممارسة الأعمال. لا يخلو الأمر من قصص نجاح، مثل Safaricom، وFlutterwave، وKobo360. لكن المستثمرين يميلون إلى النظر إليها على أنها حالات شاذة: فكونها مزدهرة، على الرغم من انتشار الفقر، وانعدام الاستقرار السياسي، والفساد المستشري، مسألة حظ، وليس دليلا على أن أفريقيا مقصد استثماري «آمن».

تفسر هذه التصورات لماذا تلقى المبدعون في أفريقيا %4.4 فقط من الاستثمار المباشر الأجنبي العالمي في عام 2020 برغم أنها موطن لنحو %17 من سكان العالم. وما لم تتغير هذه التصورات، ستستمر معاناة أفريقيا ــ ويفوت المستثمرون فرصاً مربحة.

صحيح أن بيئة الأعمال الأفريقية عامرة بالتحديات. لكن هذا ينطبق على كل البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، بما في ذلك الولايات المتحدة في بداية القرن العشرين. عندما اقترح هنري فورد «الطراز T» ــ سيارة ميسورة التكلفة لجماهير الناس ــ تردد الكثير من مستثمريه. كانت الولايات المتحدة تفتقر إلى البنية الأساسية الضرورية، بما في ذلك الطرق المعبدة، ومحطات الوقود، وورش الإصلاح. ولم يكن بوسع المواطن الأمريكي العادي شراء سيارة على أية حال.

ربما طال العمر بالمستثمرين الذين انسحبوا من مشروع فورد إلى أن شعروا بالندم على انسحابهم. فلم يتمكن فورد ببساطة من التغلب على العقبات التي استشهدوا بها وحسب؛ بل إنه استفاد منها لصالحه. فبدلاً من القتال من أجل الحصول على حصة في سوق قائمة، أنشأ فورد سوقاً جديدة من المستهلكين الذين لم يسبق لهم شراء سيارات. وعمل على توليد عدد لا يحصى من الوظائف في هذه العملية.

وعلى هذا فإن الإبداعات الـمُـنشئة للسوق مثل الطراز T، تخلق الازدهار لكل من المنظمات التي تقف من ورائها والمجتمعات التي تُـطـلَق فيها. ولأنها تضفي الطابع الديمقراطي على الوصول إلى منتجات كانت مقتصرة على فئة بعينها في السابق، فإن المستثمرين ورجال الأعمال والمستهلكين لهم مصلحة جميعاً في نجاحها.

قمنا بدراسة 100 من المنظمات الـمُـنشئة للسوق (39 في أفريقيا)، ووجدنا أوجه تشابه ملحوظة في استراتيجياتها. يتمثل أحد التحديات الأساسية في التعرف على كيفية خدمة السكان الذين لم يتمكنوا تاريخياً من شراء منتجات بعينها. تغلبت كل من المنظمات التي درسناها على ذلك التحدي من خلال تحديد العوائق التقليدية التي تحول دون الاستهلاك ــ مثل التكلفة أو الإزعاج أو التعقيد ــ ثم تفكيكها بنشاط.

في كل حالة، اعتمد النجاح على الاستعداد لتحدي الأعراف. كانت نماذج الأعمال المبدعة تصاحب دوماً منتجات مبدعة، حيث تبتكر الشركات استراتيجيات موجهة تمكنها من تلبية احتياجات عملائها والإبقاء على التكاليف التي تتحملها منخفضة، وبالتالي تمهيد الطريق نحو تحقيق الربح.

تُـعَـد كوبيا، وهي شركة بادئة تعمل في مجال التجارة الإلكترونية في كينيا، حالة مثالية. أدرك مؤسسو كوبيا أن سكان المناطق الريفية في بلدهم كانوا غير قادرين غالباً على شراء حتى السلع الأساسية، لأن المتاجر الكبرى كانت بعيدة للغاية والمنتجات التي تبيعها باهظة الثمن. لم يكن لدى المستهلكين في الريف أي فائض من وقت أو مال يمكنهم إنفاقه.

لذا، أنشأت شركة كوبيا نموذج أعمال مصمماً تبعاً لاحتياجات المستهلكين المحددة: فهي تشتري الإمدادات من الشركات المصنعة مباشرة وتوزعها من خلال شبكة من الوكلاء تتمركز في المناطق الريفية، مثل مصففي الشعر أو الترزية. ولتجنب تقييد الأموال في مخزون بعينه، تشتري كوبيا فقط ما يطلبه المستهلكون مسبقاً عبر وكيلهم المحلي.

لإنجاح نموذج أعمالها، كان لزاماً على كوبيا أن تضطلع بمهام لا تقوم بها المتاجر الكبرى، مثل البحث عن وكلاء محليين وتدريبهم، والتعامل مع البنية الأساسية الهزيلة، والإعلان عبر الراديو. ولكن، مثلها كمثل فورد، تتمثل مكافأتها في إنشاء سوق جديدة بدون منافسة حقيقية. في مقابلة أجريت معه مؤخرا، قال الرئيس التنفيذي تيم ستيل: «هناك عدد من شركات التجارة الإلكترونية الرائعة، لكن تركيزها ينصب على المستهلكين من ذوي الرواتب في المناطق الحضرية. أما نحن فنركز الآن، وبشكل دائم، على المستهلك المنخفض أو المتوسط الدخل الذي لا يحصل على القدر الكافي من الخدمات. نحن نريد أن نتأكد من أن نموذجنا مناسب لاحتياجاتهم».

يتمثل عامل مشترك آخر بين الشركات الـمُـنشئة للسوق في استعدادها لتحمل المسؤولية عن الثغرات في البنية الأساسية التي قد تعوق قدرتها على الوصول إلى مستهلكين جدد. الواقع أننا وجدنا أن %87 من المنظمات في البلدان المنخفضة الدخل التي قمنا بدراستها تتولى مهام متكاملة من الممكن أن تتولاها عادة شركات أخرى أو الحكومة.

نجحت شركة مترو أفريكان إكسبريس، وهي شركة نيجيرية توفر خدمة «نداء الركوب» وتستخدم الدراجات النارية، في تحويل ثغرات البنية الأساسية إلى ميزة تنافسية، على حد تعبير مؤسسها المشارك أديتايو باميدور.

بادئ ذي بدء، أنشأت شركة مترو أفريكان إكسبريس نظاماً يسمح للسائقين بالحصول على الترخيص. علاوة على ذلك، من خلال استخدام بيانات المعاملات الخاصة بها لبناء تاريخ ائتماني لسائقيها، وإنشاء شبكة من مقدمي الائتمان، تساعد الشركة سائقيها على الوصول إلى الخدمات المالية ــ والتي تساعد بدورها في تمكينهم من شراء دراجات نارية خاصة بهم.

أجل، إن كونك أول من يصل إلى سوق غير مستغلة تتألف من مستهلكي الطبقة المتوسطة يُـعَـد وسيلة رائعة لتمكين شركتك من جني الكثير من المال. لكن هذه ليست الطريقة الوحيدة، كما أثبتت تجربة عدد لا يحصى من الشركات. فمن خلال تطوير نماذج أعمال مبتكرة ــ والتي تفكك الحواجز التي تحول دون الاستهلاك أو تتغلب عليها وتعمل على دمج أنشطة غير تقليدية ــ يصبح بوسع الشركات الوصول إلى العملاء أينما كانوا وخلق أسواق مربحة.

الحق أن السرد الذي يتناول ممارسة الأعمال في أفريقيا يحتاج إلى مراجعة. ونظراً لتوفر عدد لا يحصى من المنتجات والخدمات التي لا تزال بعيدة المنال، فإن الفرص المتاحة للإبداع الـمُنشئ للسوق وافرة. يعمل المبدعون في أفريقيا جادين لاغتنام هذه الفرص، ويُـحسِـن المستثمرون صنعاً بدعم هؤلاء المبدعين.

 

* كبير زملاء الأبحاث في معهد كلايتون كريستينين، والمؤلف المشارك لكتاب «مفارقة الرخاء: كيف ينتشل الإبداع الأمم من براثن الفقر».

** زميل الأبحاث في معهد كلايتون كريستينين.

opinion@albayan.ae

Email