كاليفورنيا بوصفها نموذجاً للنمو المستدام

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

كانت الاستجابة العامة المبكرة لخطط العمل الاقتصادي للرئيس الأمريكي جو بايدن، إيجابية للغاية. وباستثناء بعض الناخبين الجمهوريين، الذين لا يزال كثير منهم يعتقدون أن انتخابات 2020 سُـرِقَـت من دونالد ترامب، تدعم غالبية عظمى من المواطنين (بما في ذلك الجمهوريين)، العناصر الأساسية في خطة الوظائف الأمريكية، وخطة الأسر الأمريكية. يدعم نحو 68 % من الأمريكيين اقتراح البنية الأساسية، الذي تقدمت به إدارة بايدن، ويدعم 64 % خطتها لتوسيع الرعاية الصحية، ورعاية الأطفال، وغير ذلك من البرامج الأسرية.

يتعين على أعضاء الكونغرس، الإنصات إلى ناخبيهم ومحاكاة كاليفورنيا. فإن حقبة جديدة من النمو المستدام الشامل تنتظرنا.

كانت الأشهر الأولى التي أمضاها رئيس الولايات المتحدة، جو بايدن، في المنصب، مثيرة للإعجاب. فكان عدد لقاحات مرض فيروس «كورونا» 2019 (كوفيد 19)، التي تم إعطاؤها بالفعل، أكثر من ضعف ما وَعَـدَ به، كما تباطأ انتشار فيروس «كورونا» بشكل حاد. في الربع الأول من هذا العام، سجل الاقتصاد الأمريكي نمواً بلغ 6.4 % (أسرع معدل نمو ربع سنوي منذ عام 1984)، بسبب التحفيز النقدي والمالي، وإعادة فتح الاقتصاد الأكثر شمولاً.

يتوقع خبراء الاقتصاد في جولدمان ساكس، أن يكون معدل النمو في الولايات المتحدة في عام 2021، هو الأسرع في ثلاثة عقود من الزمن، كما وَجَـدَ بحث أجراه معهد ماكينزي العالمي، مؤخراً، أن هذا النمو السريع سيتبعه تسارع كبير في نمو الإنتاجية. في عهد بايدن، انتعشت ثقة المستهلك: إذ يشعر 55 % من الناخبين بالرضا عن حالة الاقتصاد، ارتفاعاً من 43 % عندما تولى بايدن منصبه، و34 % في مايو/‏‏أيار 2020.

شبّه العديد من المعلقين، أجندة إدارة بايدن الاقتصادية، بصفقة فرانكلين ديلانو روزفلت الجديدة، أو توسع دوايت أيزنهاور بعد سبوتنيك، في الإنفاق الفيدرالي على العلوم والبنية الأساسية. لكن اقتصاد كاليفورنيا، كان الأقرب شبهاً باقتصاد بايدن (بايدنوميكس)، حيث حملت كاليفورنيا لواء ريادة استراتيجية النمو المستدام الشامل، القائم على الإبداع والابتكار.

يتمثل أحد المكونات المشتركة في كل من اقتصاد بايدن واستراتيجية كاليفورنيا الاقتصادية في الأبحاث القوية ذات المستوى العالمي لدعم الإبداع في قطاعات النمو العالمية. وهذه القطاعات، هي التي ستدفع نمو الإنتاجية، وتخلق الوظائف الجديدة، وتغذي صادرات الولايات المتحدة، وخلق الثروة الآن وفي المستقبل.

قادت كاليفورنيا الولايات المتحدة (والعالم) في الابتكار والإبداع منذ الحرب العالمية الثانية. فهي موطن نظام جامعي عام من الطراز الأول، فضلاً عن جامعات خاصة، مثل ستانفورد، ومعهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، وجامعة جنوب كاليفورنيا، وستة مختبرات بحثية فيدرالية (إلى جانب مئات من المختبرات الخاصة). وفي حين عاد المتشككون مرة أخرى، إلى الإعلان عن زوال اقتصاد كاليفورنيا الوشيك، كانت الولاية في واقع الأمر، تعمل على توسيع ريادتها لاقتصاد الإبداع أثناء الجائحة.

وإليكم بعض المؤشرات التي توضح هذه النقطة. في عام 2020، بدأ أكثر من 440 ألفاً من سكان كاليفورنيا نشاطاً تجارياً جديداً، بزيادة قدرها 22 % عن عام 2019، وبما يتجاوز كثيراً كل الولايات الأخرى (النسب غير معدلة تبعاً لعدد السكان).

علاوة على ذلك، في عام 2020، ذهب 50 % من تمويل رأس المال الاستثماري في البلاد إلى كاليفورنيا ــ ضعف الحصة الإجمالية للولايات الثلاث التالية لها (نيويورك، وماساتشوستس، وتكساس). ومن بين ما يقرب من 750 جولة لتمويل المشاريع أو الاكتتابات العامة الأولية، بقيمة مقدرة تجاوزت مليار دولار، كان ما يقرب من 494 في كاليفورنيا (حظيت سان فرانسيسكو وحدها بأكثر من مجموع ما فازت به تكساس، وفلوريدا، ونورث كارولينا). ومن أصل 22 شركة أمريكية بادئة، تبلغ قيمتها المقدرة 10 مليارات دولار أو أكثر في أي جولة تمويل، كانت 17 في منطقة سان فرانسيسكو.

في حين بلغت القيمة السوقية المجمعة للشركات المدرجة في البورصة في وادي السليكون، ووادي ساليناس، وخليج مونتيري (236 شركة)، نحو 4.75 تريليونات دولار قبل عام واحد، فقد تجاوز هذا الرقم الآن 8.5 تريليونات دولار، أي بنمو بلغ 80 % في عام واحد (وأثناء فترة ركود).

على الرغم من أن بقية الولايات المتحدة، من غير الممكن أن تصبح وادي سيليكون آخر، فإن الآليات الجديدة لنشر الاستثمار ورأس المال المغامر على نطاق أوسع في مختلف أنحاء البلاد، من شأنها أن تساعد الاقتصاد الوطني بكل تأكيد، وخاصة من خلال مساعدة الشركات في كل مكان من الاستفادة من العمل عن بُـعد، وغير ذلك من الاتجاهات التي دفعت بها الجائحة. على نحو مماثل، سيسمح نظام الهجرة الأكثر انفتاحاً للولايات المتحدة، بالاستفادة من مجمع عالمي من المواهب. ولنتذكر هنا، أن نحو نصف كل شركات Fortune 500 في الولايات المتحدة، أسسها مهاجرون أو أبناؤهم.

استفادت كاليفورنيا إلى حد كبير من ريادتها لاقتصاد الإبداع. في ظل نظام ضريبي تصاعدي إلى حد كبير، يفرض الضريبة على مكاسب رأس المال على أنها دخل، يأتي ما يقرب من 90 % من إيرادات ضريبة الدخل في الولاية، من أعلى 10 % من دافعي الضرائب. ولأن الإبداع يدفع قدراً كبيراً من النمو في أسواق رأس المال والعقارات في الولاية.

فإن يعمل على توليد قاعدة إيرادات ضخمة (لكنها متقلبة)، يمكن من خلالها الاستثمار في برامج التعليم، والبنية الأساسية، وشبكات الأمان. وحتى أثناء الركود الناجم عن أزمة كوفيد 19، حافظت كاليفورنيا على فائض في الميزانية، ومن المتوقع الآن أن يصل هذا الفائض إلى مستوى غير مسبوق، بنحو 75.7 مليار دولار لعام 2021-2022.

يشكل هذا الفائض أهمية واضحة لسبب آخر أيضاً. فمثل كثير من بقية العالم، تشهد كاليفورنيا بالفعل الآثار المباشرة المترتبة على تغير المناخ. أصبحت حرائق الغابات وموجات الجفاف من الأحداث السنوية، وكذا أصبحت الأعاصير والفيضانات في أجزاء أخرى من البلاد. فقد تسببت ظروف الجفاف ودرجات الحرارة غير المسبوقة في الارتفاع، في اندلاع حرائق واسعة النطاق في مختلف أنحاء الولاية في عام 2020، والمخاطر أكبر هذا العام، ولهذا السبب، اقترح نيوسوم زيادات كبيرة في تدابير الوقاية من الحرائق، وزيادة قدرة الغابات على الصمود في ميزانية 2021.

على النقيض من مناطق أخرى كثيرة في البلاد، أخذت كاليفورنيا زمام المبادرة في تبني سياسات الحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، وتشييد بنية أساسية أكثر قدرة على الصمود. من خلال معايير صارمة، للحد من الانبعاثات، وضمان جودة الهواء، وتسعير الكربون، والدعم العام للمركبات الكهربائية.

وتريد إدارة بايدن، ملاحقة تدابير مماثلة على المستوى الوطني. فقد عادت أمريكا إلى الانضمام إلى اتفاقية باريس للمناخ، ويسعى بايدن إلى الحصول على موافقة الكونغرس على استثمارات بمليارات الدولارات في الطاقة النظيفة، وكهربة النقل والمباني، والتصنيع المنخفض الكربون، والنقل العام، وغير ذلك من سمات الاقتصاد الأخضر الأساسية.

* رئيسة مجلس مستشاري رئيس الولايات المتحدة للشؤون الاقتصادية سابقاً، وهي أستاذة في كلية الدراسات العليا التابعة لكلية هاس لإدارة الأعمال.

** كبير الشركاء الشرفي في ماكينزي آند كومبني، وكبير مستشاري حاكم كاليفورنيا جافين نيوسوم للشؤون الاقتصادية والتجارية سابقاً.

 

Email