أخطار تعصف بالحوكمة في أوروبا

أندرس آسلوند

ت + ت - الحجم الطبيعي

علمنا المؤرخ الفرنسي الكبير فرناند بروديل أن نبحث عما شهده التاريخ من أحداث طويلة الأمد لم تحظ بما يكفي من التقدير. وفي سياق الثلاثين عاماً الماضية، تتمثل إحدى هذه الأحداث في اتساع الفجوة الاقتصادية بين دول وسط أوروبا وشرقها، المنضمة وغير المنضمة إلى الاتحاد الأوروبي. وتلتحق الأولى تدريجياً بركب غيرها من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، بمعدلات نمو تكاد تكون ضعف معدلات الدول الشرقية المجاورة لها؛ فالأخيرة عالقة في منطقة حرام بين الاتحاد الأوروبي وروسيا.

ويوضح الاختلاف بين بولندا وأوكرانيا هذا الاتجاه. إذ تقول الإحصاءات السوفييتية إن أوكرانيا كانت أغنى قليلاً من حيث نصيب الفرد مقارنة مع روسيا وبولندا في عام 1989، قبل الثورات التي أطاحت بالشيوعية في جميع أنحاء أوروبا الوسطى والشرقية. آنذاك، كان لدى كلا البلدين ثقافات وهياكل صناعية متشابهة. ومع ذلك، بلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي (بالقيمة الحالية للدولار الأمريكي) اليوم، معدلاً أعلى خمس مرات تقريباً في بولندا منه في أوكرانيا. (حتى في عام 2013، قبل عام من شن روسيا حربها على أوكرانيا، كان نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في بولندا أعلى بمقدار 3.4 مرات).

ولا ينطبق هذا على أوكرانيا وحدها.

إن أحد أسباب ضعف أداء الدول التي كانت تابعة للاتحاد السوفييتي سابقاً وقوته بالنسبة لدول أوروبا الوسطى والشرقية هو أن دول وسط أوروبا وشرقها قد أبرمت بنجاح اتفاقيات شراكة مع الاتحاد الأوروبي في أوائل التسعينيات من القرن الماضي.

ولكن العامل الرئيسي في نجاح هذه البلدان كان تحسين نوعية الحوكمة الاقتصادية.. وبعد عملية بيروقراطية طويلة وطاحنة، اعتمدت هذه البلدان الأطر القانونية والتنظيمية اللازمة لتوفير أداء اقتصاد السوق المفتوح.

والسؤال هو ما إذا كان من المتوقع أن تحافظ اقتصادات أوروبا الوسطى والشرقية على تقدمها. فقبل انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، كان المراقبون هناك قلقين من أن هذه الدول ستواصل تحسين إدارتها إلى أن تنضم إلى الاتحاد الأوروبي فقط؛ لكن الواقع كان أكثر تعقيداً. إذ في الواقع، استمرت جميع الدول الأعضاء الجدد في الاتحاد الأوروبي في تعزيز حوكمتها لسنوات عديدة، وجذبت المزيد من الاستثمار الأجنبي المباشر. ولا تزال بعض البلدان تتحسن. وتعد إستونيا وليتوانيا، الآن، أقل الدول الشيوعية السابقة فساداً.

وبالنسبة للاتحاد الأوروبي يمكن أن يصبح هذا التراجع عن الحكم الرشيد قضية وجودية، لأن الديمقراطية وسيادة القانون يسيران معاً. وعلى الرغم من تعارض المجر وبولندا مع المعايير الديمقراطية الأساسية للاتحاد الأوروبي، فإنهما لا تزالان الدولتين المستفيدتين من تمويل الاتحاد الأوروبي الهائل. ورغم فرض الاتحاد الأوروبي شروطاً خاصة على رومانيا وبلغاريا، فإن هذه الإجراءات لم تكن كافية.

وتشير الدراسات إلى أن الديمقراطية آخذة في التدهور في دول كثيرة ضمن الاتحاد الأوروبي الآن، ولا شك انه على الاتحاد، وأكثر من أي وقت مضى، ألا يسمح بالتراجع عن مسألة الحوكمة وترسيخ جذور العمل الديمقراطي والمؤسسي. وما يبعث على السرور أن الاتحاد أصبح أكثر عزماً على فرض شروط أصعب، بالدرجة الأولى من خلال خطة الجيل القادم لإنعاش أوروبا التي وضعها الاتحاد الأوروبي، والتي تبلغ قيمتها 750 مليار يورو (918 مليار دولار). إن مسار دول الاتحاد السوفييتي السابق تذكرة أليمة لسبب وجوب دفاع الاتحاد الأوروبي عن الديمقراطية وسيادة القانون في الداخل والخارج.

* كبير الزملاء في المجلس الأطلسي بواشنطن.

opinion@albayan.ae

Email