مآلات إهمال أمراض المناطق الاستوائية

مايكل كريمر

ت + ت - الحجم الطبيعي

تُعد تدخلات أمراض المناطق الاستوائية المُهملة من أكثر الاستثمارات الصحية العالمية فعالية من حيث التكلفة التي يمكن أن تقوم بها البلدان، خاصة في وقت يشهد ارتفاع معدل الفقر وتكاثر الأمراض. من أجل إنهاء أزمة الأمراض المدارية المُهملة وحماية أفقر سكان العالم، لا ينبغي لنا إهمال أمراض المناطق الاستوائية بعد الآن.

ويعكس قرار الرئيس الأمريكي جو بايدن بدعم الدعوة للتنازل عن حماية الملكية الفكرية للقاحات المُضادة لفيروس «كوفيد 19» حجم الضغوط العالمية من أجل الوصول الشامل للقاحات. ومع ذلك، يُعاني فقراء العالم من العديد من الأمراض الأخرى التي يمكن الوقاية منها وعلاجها، والتي تترتب عليها عواقب اجتماعية واقتصادية وخيمة.

في الواقع، لا تُعاني الاقتصادات المُتقدمة بشكل فعلي من أمراض المناطق الاستوائية المُهملة - مثل داء الفيل، والتراخوما، والعمى النهري، وعدوى الديدان المعوية. ومع ذلك، من بين الأشخاص الذين يعيشون في فقر مُدقع، تُعد هذه الأمراض أكثر أنواع العدوى شيوعاً. يُعاني حوالي مليار شخص في جميع أنحاء العالم من أمراض المناطق الاستوائية المُهملة سنوياً - بما في ذلك أكثر من 750 مليون شخص يعيشون تحت خط الفقر الذي حدده البنك الدولي البالغ 1.90 دولار في اليوم.

قد يُعاني هؤلاء الأشخاص بشدة جراء الإصابة بالأمراض الاستوائية المُهملة، حيث تُسبب ألماً شديداً وإعاقة طويلة الأمد، ما يؤدي في كثير من الأحيان إلى الوصم الاجتماعي. بالنسبة للأطفال، تؤدي العدوى إلى الانقطاع عن الدراسة وتُسبب سوء التغذية وإضعاف النمو الفكري والمعرفي وتُعيق النمو. وبسبب آثارها السلبية على التعليم والتوظيف، تجعل الأمراض الاستوائية المُهملة الناس يعيشون في حالة فقر.

ومع ذلك، في حين تم فقدان ما يقرب من 17 مليون سنة من الحياة الصحية سنوياً بسبب أمراض المناطق الاستوائية المُهملة، فإن هذه الأمراض يمكن الوقاية منها إلى حد كبير، ويمكن علاج مُعظمها ببضعة أقراص بسيطة. إن ضمان إمكانية الوصول إلى هذه الأدوية على نطاق واسع لن يجني فوائد صحية وإنسانية واضحة فحسب، بل سوف يُحقق أيضاً مكاسب اجتماعية واقتصادية عالية ومُستدامة.

يجب النظر في عدوى الديدان المعوية، والتي تُعد أكثر الأمراض الاستوائية المُهملة انتشاراً - والأكثر قابلية للعلاج. بدءاً من عام 1998، درسنا برنامجاً للصحة العامة يُقدم علاج عدوى الديدان المعوية لعشرات الآلاف من أطفال المدارس الابتدائية في كينيا. وباستخدام تجربة تحكّم عشوائية، تمكنّا من قياس بشكل موثوق التأثير السببي للبرنامج من خلال مقارنة المدارس حيث تم توفير العلاج مع مدارس مُماثلة حيث لم يكن العلاج مُتوفراً.

مع دفع جائحة «كوفيد 19» المزيد من سكان العالم إلى الفقر - وزيادة خطر الإصابة بالأمراض المُزمنة - حان الوقت اليوم لمضاعفة جهودنا لمكافحة أمراض المناطق الاستوائية المُهملة. ومع ذلك، يبدو أن الطلب المتزايد على الميزانيات الحكومية والمزيد من المنافسة على التمويل من شأنه أن يُعيق التقدم، بل ويعكس مساره.

أعلنت الحكومة البريطانية مؤخراً - وهي رائدة عالمية في برامج المساعدة الخارجية المبتكرة - أنها ستخفض 90 % من تمويلها لعلاج أمراض المناطق الاستوائية المُهملة. ونتيجة لهذا القرار، لن يتمكن ملايين الأشخاص من الحصول على العلاجات اللازمة، وقد تنتهي صلاحية العديد من الأدوية الموجودة بالفعل في الصيدليات في البلاد بسبب نقص الأموال اللازمة لتوزيعها. وستكون العواقب وخيمة على أكثر سكان العالم ضعفاً. لهذا السبب، نحث الحكومة البريطانية على التراجع عن قرارها، ونُشجع الحكومات الأخرى على سد الثغرات في التمويل.

 

* حائز على جائزة نوبل في الاقتصاد لعام 2019، وهو أستاذ جامعي في الاقتصاد بجامعة شيكاغو ومدير مختبر الابتكار الإنمائي.

opinion@albayan.ae

Email