صناديق الثروة السيادية مفاتيح نمو أفريقيا المالية المستدام

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

تكشف البيانات الاقتصادية والمجتمعية في أفريقيا، مدى الحاجة إلى إطار مؤسساتي من أجل تشجيع المزيد من التعاون بين صناديق الثروة السيادية الأفريقية وذلك لتجميع مواردنا ومشاريعنا، كما أن من الممكن أن يشجع مثل هذا التعاون الحكومات الأفريقية والشركاء الدوليين على استخدام تلك الصناديق من أجل تعزيز السيادة المالية للقارة.

اجتمع قادة الدول الأفريقية والقادة الأوروبيون وممثلون عن المؤسسات الدولية في باريس لحضور مؤتمر عن تمويل الاقتصادات الأفريقية وكرؤساء لصناديق الثروة السيادية الأفريقية، في الفترة الماضية، ونحن نؤمن بقوة أن حشد الموارد الوطنية - واستخدامها في جذب المزيد من رؤوس الأموال الأجنبية - هو الطريقة الوحيدة لضمان الاستقلال المالي لاقتصاداتنا. حقاً تساعد مخرجات قمة باريس أفريقيا ولكن الأهم من ذلك كله أنه يتوجب علينا أن نساعد أنفسنا.

لقد كشفت جائحة «كوفيد 19» عن نقاط الضعف التي طال أمدها في الاقتصادات الأفريقية، فهي لا تزال معرّضة بشكل كبير لمخاطر سعر الصرف وغير قادرة على تمويل نفسها وتعتمد بشكل مفرط على الجهات المانحة وبالإضافة إلى ذلك فإن تصورات المخاطر السلبية تعني أن معظم المستثمرين الدوليين ومديري الأصول لا يزال لديهم حضور هامشي فقط ضمن القارة.

لكن أفريقيا تحتاج بشكل عاجل لجذب رؤوس الأموال الأجنبية علماً أنه بعد الركود في القارة الأفريقية خلال سنة 2020 والذي تسببت به الجائحة، يتوقع بنك التنمية الأفريقي أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة %3.4 فقط هذا العام. إن هذا التعافي المتوقع لن يؤدي إلى تحقيق الموارد التي نحتاجها لتلبية احتياجاتنا المتعلقة بالتنمية.

إن تمويل التنمية الأفريقية يتطلب أن تفكر الحكومات بطرق جديدة لضمان الاستثمارات الدولية من دون زيادة ديونها. إن استخدام صناديق الثروة السيادية في القارة هو أحد الخيارات ذات المصداقية، وكما هو الحال في العديد من البلدان الأخرى حول العالم فإن تلك المؤسسات التي تتحكم بها الدولة تدير الفوائض الوطنية بهدف بناء الثروة وتوفير أساس مالي سليم يمكن أن تقوم الحكومة على أساسه بصياغة سياسة تنمية أو تنويع طموحة.

خلال العقد الماضي، قامت 15 دولة أفريقية بما في ذلك المغرب ونيجيريا والغابون ورواندا والسنغال وأخيراً جيبوتي بتأسيس صناديق ثروة سيادية وطبقاً لتقرير حديث للمنتدى العالمي لصناديق الثروة السيادية فإن تلك الصناديق تدير حالياً أصولاً بقيمة إجمالية تصل إلى 24 مليار دولار أمريكي، وبينما هذا المبلغ لا يمكن مقارنته بحجم صناديق ثروة سيادية أخرى على المستوى العالمي، إلا أنها تتمتع بالأهمية في سياق الاقتصادات الأفريقية.

إن صناديق الثروة السيادية لدينا هي دليل على قدرة الدول الأفريقية على الابتكار المالي.

لقد أدركت دول مثل السنغال ورواندا وجيبوتي أن تلك الصناديق هي ليست فقط للاقتصادات الغنية بالسلع وفي الوقت نفسه فإن دول منتجة للنفط مثل الغابون ونيجيريا تستخدم صناديق الثروة السيادية العائدة لها في تنويع تخصيص الموارد والتأقلم ضمن سياق التطور الاقتصادي وفي كل حالة فإن تلك الصناديق تبني استراتيجياتها على أساس إدارة صارمة للمدخرات الوطنية وعلى أساس نماذج تعكس أفضل الممارسات بالقطاع الخاص وذلك من أجل خدمة أهداف التنمية الوطنية.

لكن على الرغم من أن صناديق الثروة السيادية قد أثبتت بالفعل فعاليتها، إلا أن إمكاناتها تظل غير مستغلة إلى حد كبير ومن خلال حشد المدخرات الوطنية والاستفادة منها فإن صناديق الثروة السيادية لن تتمكن من زيادة قدرة الحكومات على تمويل السياسات العامة فحسب، بل يمكنها أن تساعد كذلك في جذب المزيد من رؤوس الأموال الأجنبية والأهم من ذلك كله أن بإمكان صناديق الثروة السيادية أن تكون قدوة يحتذى بها وذلك من خلال إظهار التزام الحكومات باقتصاداتها: لو لم نقم بالاستثمار في البنية التحتية الاستراتيجية أو الصناعات أو القطاعات الاجتماعية لدينا، فكيف يمكن لنا أن نتوقع أن يحضر الآخرون من أجل عمل ذلك لنا؟

نحن على قناعة بأن من الممكن حشد مدخراتنا الوطنية من أجل دمج الاقتصادات الأفريقية لتصبح ضمن تدفقات رؤوس الأموال العالمية وفي السنوات الأخيرة أظهرت صناديق الثروة السيادية الأفريقية قدرتها على تطبيق الآليات المبتكرة مثل الشراكات بين القطاعين العام والخاص في قطاعات المرافق والطرق والموانئ والمطارات والبنية التحتية لقطاع الاتصالات والرعاية الصحية وهي تتمتع بالمرونة الكافية لعمل ما هو أكثر من ذلك بكثير بما في ذلك توريق أصول الدولة أو استخدام ترتيبات إعادة الإيجار من أجل تمويل الكيانات العامة. إن كل ما نحتاجه هو رغبة حكوماتنا بأن تستفيد بشكل كامل من صناديق الثروة السيادية لديها.

إلى جانب عرض الفرص الاستثمارية، تتمتع مؤسساتنا بالمعرفة اللازمة لتنفيذ المشاريع التي تتوافق مع المعايير البيئية والاجتماعية وتلك المتعلقة بالحوكمة والمرتبطة بأجندة الأمم المتحدة 2030 للتنمية المستدامة وفي العام الماضي على سبيل المثال كان لصناديق الثروة السيادية الأفريقية التزامات قوية في قطاع الصحة، حيث تولى صندوق الاستثمار الاستراتيجي الغابوني «في جي أي اس» مهام المكتب الوطني للأدوية بينما أبرمت هيئة الاستثمار السيادية النيجيرية شراكة مع المنظمة غير الحكومية الأمريكية بي أي أو لمشاريع الصحة العامة بهدف تعزيز الأبحاث في مجال مرض السرطان.

 

* الرئيس التنفيذي لصندوق التنمية في رواندا «اجاكيرو».

** الرئيس التنفيذي لصندوق الاستثمار الاستراتيجي الغابوني «في جي أي اس».

*** المسؤول التنفيذي لصندوق الاستثمار السيادي النيجيري.

opinion@albayan.ae

Email