الأزمات ونمط القيادة الأجدى

إريك بوزنر

ت + ت - الحجم الطبيعي

من الواضح أن الإدارة تشكل ضرورة حاسمة في التصدي للأزمات. يبحث الناس عن قائد يعطيهم الطمأنينة والثبات. وحتى في أفضل الأوقات يكون الكونغرس عُـرضة للشجار والانزلاق إلى المهاترات التافهة، وإلى ذلك النوع من المساومة العقلانية رغم كونها مدمرة للذات وتُـفضي إلى التأخير بدلاً من الفعل. وهذا فعلياً، ينطبق على واقع الولايات المتحدة الامريكية.

ونرى أنه من التناقضات اللافتة للنظر بين إدارتي ترامب وبايدن الجدال الدائر حول ما إذا كانت الرئاسة حصلت على قدر من السلطة أكبر مما يتفق مع الصالح العام. كانت فترة ولاية ترامب في منصبه مصحوبة بوابل من التعليقات التي زعمت أن الرئاسة أصبحت أقوى مما ينبغي، الأمر الذي سمح بتمكين رجل مجنون أو طاغية من تدمير حريات الأمريكيين. وقد حث المنتقدون الكونغرس والمحاكم على إعادة تأكيد ذاتها قبل أن تنزلق البلاد إلى الاستبداد.

لكن منذ تولى جو بايدن منصبه لم يفعل الديمقراطيون أي شيء لكبح جماح الرئاسة ــ حتى برغم أنهم يعرفون أن شخصاً شبيهاً بترامب، أو ترامب ذاته، قد يخلف بايدن. وبدلاً من ذلك، حولوا تركيزهم المؤسسي إلى حقوق التصويت.

ولكن لماذا يهدر الديمقراطيون الفرصة لإصلاح الرئاسة؟ يتمثل أحد التفسيرات في أن الديمقراطيين لا يريدون المجازفة بإعاقة رئيسهم، خاصة وأن السيطرة على الكونغرس قد تفلت من قبضتهم في انتخابات التجديد النصفي في عام 2022. إذا خسر الديمقراطيون السيطرة على مجلس النواب أو مجلس الشيوخ، فإن سعيهم إلى تحقيق أجندتهم السياسية يفرض عليهم تبني السلطة الرئاسية القوية التي شجبوها قبل عام واحد.

يتلخص احتمال آخر في أن الهجمات التي شنها اليسار على إساءة استخدام ترامب للسلطة لم تكن صادقة قَـط. ربما تصور منتقدوه أن صرخات إدانة «الدكتاتورية» ستكون أكثر فعالية من الشكاوى حول التخفيضات الضريبية عندما يتعلق الأمر بإثارة المعارضة. أو ربما تكون السلطات الرئاسية الحالية مترسخة بعمق في القانون والعرف إلى الحد الذي يجعل أي محاولة لإصلاح المنصب محكوماً عليها بالفشل.

لكن بعيداً عن كل هذا، هناك سبب أشد عمقاً وراء استمرار الرؤساء في تكديس السلطة حتى برغم أن هذا الاتجاه يثير الانزعاج: يريد عامة الناس ــ بما في ذلك العديد من المراقبين السياسيين المخضرمين ــ رئيساً قوياً، ليس بدافع من الإيمان بنظرية أو أيديولوجية، بل لأسباب عملية. فالرئاسة القوية فقط تبدو قادرة على معالجة التحديات العديدة التي تواجه البلاد.

كان هذا هو الدرس المستفاد من العقدين الأخيرين، عندما ضربت الولايات المتحدة ثلاث أزمات رئيسية: هجمات الحادي عشر من سبتمبر الإرهابية، وأزمة 2008 - 2009 المالية، والآن جائحة مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد 19) وانهيار 2020 - 2021 الاقتصادي.

أفضت الجائحة والأزمة الاقتصادية إلى المزيد من تدخل الدولة، وهذا بدا جلياً في أمريكا، مصحوباً بقيود كانت هي الأعرض قاعدة والأكثر امتداداً على الحريات الشخصية في التاريخ الأمريكي (وإن كان ذلك بأمر من القادة المحليين وليس إدارة ترامب الفوضوية).

كان اللغز الوحيد في هذه القصة التي تدور حول السلطة التنفيذية المتزايدة التوسع متمثلاً في رفض ترامب استخدامها في خضم واحدة من أسوأ هذه الأزمات الثلاث. انضم الساسة الليبراليون، الذين ادعوا لفترة طويلة أنهم يؤمنون بأن ترامب كان يبحث عن عذر لتدشين نظام دكتاتوري، إلى الجمهوريين في إمطاره بالأموال النقدية لاستخدامها وفقاً لهواه وما يراه مناسباً. وطالبوه بفرض تدابير الإغلاق واستحضار قانون الإنتاج الدفاعي لتعبئة الموارد الاقتصادية الخاصة في الاستجابة للجائحة. كان ترامب مقاوماً في الأغلب الأعم لهذه الدعوات، لكنه صَـدَّقَ على إنفاق أكثر من تريليون دولار من أموال الإنقاذ التي رصدها الكونغرس الأمريكي (وكان حريصاً على ظهور اسمه على شيكات التحفيز).

كان تصرف ترامب ضعيفاً وليس حاسماً، لأنه كان يخشى أن تؤدي الاستجابة الفيدرالية القوية إلى إلحاق المزيد من الضرر بالاقتصاد وتقويض احتمالات إعادة انتخابه. ورغم أن ترامب يستحق الفضل في إنشاء برنامج الشراء المسبق للقاحات، أو عملية Warp Speed، فإنه أعطى انطباعاً بأنه يتبع الكونغرس ولا يقوده ــ ودفع الثمن في صناديق الاقتراع. ولأن ترامب قَـدَّمَ نفسه كقائد قوي إلى اليمين فقد كان اليسار يخشاه باعتباره حاكماً مستبداً، والمفارقة هنا غنية.

من الواضح أن بايدن عقد العزم على عدم ارتكاب ذات الخطأ.. وهو لم يكتف بعدد كبير من الإجراءات التنفيذية والمقترحات التشريعية البعيدة المدى، بل أظهر أيضاً اعتزامه إصلاح المحكمة العليا، آخر معاقل الجمهوريين في الحكومة الفيدرالية. الواقع أن غياب المناقشة حول السلطة الرئاسية ــ بعد أشهر قليلة من هجوم حشد من الغوغاء على مبنى الكونغرس الأمريكي بأمر من رئيس متهم بطموحات استبدادية ــ يشير إلى أن الرئاسة الإمبراطورية جاءت لتبقى.

 

أستاذ في كلية الحقوق بجامعة شيكاغو.

opinion@albayan.ae

Email