اللقاحات وسبل كسب ثقة الناس

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

من الطبيعي تماماً طرح أسئلة حول اللقاحات في الوقت الحالي. إن كيفية الإجابة عن هذه الأسئلة ستُحدث فرقاً كبيراً. إذا استجبنا بشكل مناسب اليوم، وعززنا ثقة الشعب، فستكون لدينا فرصة لتأسيس علاقة ثقة تكون بمقام أساس متين لمواجهة أي أزمة صحية قادمة.

من المتوقع أن تعمل اللقاحات المُضادة لفيروس «كوفيد 19» على تقريبنا أكثر من أحبائنا والاستمتاع باللحظات التي فقدناها في الـ14 شهراً الماضية. تتمثل هذه اللحظات بمعانقة الآباء، ولقاء الأحفاد أول مرة، والضحك مع الأصدقاء - وجهاً لوجه! إن سعادة الأشخاص الذين تلقوا اللقاح بالفعل واضحة للغاية: يُعلن الأشخاص على شبكات التواصل الاجتماعي عن تلقيهم اللقاح ويُشاركون لحظات التلقيح الخاصة بهم مع نشر رسالة بعنوان «أنا محميّ!»

لا يمكننا تحمل فقدان هذا الحماس، حتى في مواجهة الحالات النادرة التي تم الإبلاغ عنها مؤخراً، والتي أُصيبت بمتلازمة تجلط الدم عقب تلقي بعض أنواع اللقاحات المُضادة لفيروس «كوفيد 19».

تُعد كيفية إدارة هذه الأخطار والإبلاغ عنها واستيعابها أمراً بالغ الأهمية للحفاظ على ثقة الشعب بحملات التطعيم ضد فيروس «كوفيد 19». وفي ظل هذه الظروف، ستكون ثقة الناس بصُناع السياسات والخبراء والمؤسسات بأهمية ثقتهم نفسها باللقاحات ذاتها. يحتاج قادة العالم إلى التحلي بالشفافية في أفعالهم وإدراك أن كل يوم من التأخير والتردد في ما يتعلق بمشاركة المعلومات بشأن اللقاحات يتسبب في إثارة القلق ونشر المعلومات المُضللة - مُعظمها عبر الإنترنت.

ولطمأنة الشعوب، نحتاج إلى تغيير أساليبنا ومناقشة عملية إدارة الأخطار باستمرار، وهو النهج الذي يتبعه العلماء والسلطات التنظيمية عند تقييم اللقاحات. تُنشئ الحكومات أنظمة مراقبة سلامة اللقاحات لرصد علامات حدوث أي أخطار مُحتملة وضمان تقديم الإرشادات بناءً على أحدث البيانات. هذه عملية تكرارية، كما أن إيجاد آثار جانبية نادرة يعني أن النظام يعمل بشكل طبيعي.

يستخدم العلماء والمنظمون العملية نفسها لمراقبة سلامة الأدوية، بدءاً من مُسكنات الألم التي لا تستلزم وصفة طبية إلى أدوية العلاج الكيميائي، ولكنها غالباً ما تكون غير مرئية للناس.

وعلى النقيض من ذلك، حظيت عملية تصميم واعتماد وإدارة لقاحات مضادة لفيروس «كوفيد 19» باهتمام عالمي، مع تضخيم ومشاركة كل خطوة في عملية التطوير وكل تقرير عن الأخطار المُحتملة في جميع أنحاء العالم. ونتيجة لذلك، تبدو الآثار الجانبية النادرة أكثر شيوعاً مما هي عليه بالفعل، ما يجعل من الصعب على الجمهور تقييم الأخطار.

يتمتع الشعب بالقدرة على إدارة الأخطار، فنحن نقوم بذلك بشكل فردي وجماعي في كل مرة نغادر فيها المنزل أو نقود السيارة أو نتناول الأدوية، على سبيل المثال. ولكن الناس بحاجة إلى معلومات واضحة.

في حالة حدوث إصابات بمتلازمة تجلط الدم المُبلغ عنها، فإن هذا يعني ضمان فهم الناس ليس فقط الأخطار المُحتملة المتعلقة بتلقي لقاح «كوفيد 19»، بل أيضاً إدراكهم التكاليف المُحتملة لاختيار عدم تلقي اللقاحات المُضادة للفيروس.

يجب على مقدمي الرعاية الصحية والقائمين بعمليات التلقيح أيضاً الإبلاغ بوضوح عن العلامات والأعراض الجانبية المُحتملة التي تعقب اللقاحات ومساعدة الناس على فهم متى يجب عليهم طلب العلاج الفوري.

ينطبق الأمر نفسه على جميع اللقاحات. على الرغم من أن اللقاحات فعالة للغاية وتُساهم في إنقاذ حياة 2 ـ 3 ملايين شخص على مستوى العالم كل عام، إلا أن القلق بشأنها ليس أمراً جديداً. ظهر أول موقف مُضاد للقاحات في بريطانيا في القرن التاسع عشر، بعد أن فرضت الحكومة البريطانية التطعيم الإجباري ضد الجدري.

اعتقد بعضهم أن التلقيح ضد الجدري - الذي كان يُعرف آنذاك باسم «التجدير» - كان عملية غير طبيعية و«ضد مشيئة الله». ومع ذلك، في حين أن التلقيح كان أكثر خطورة مما هو عليه اليوم، لا يزال الكثير من الناس يعتقدون أن تلقي اللقاح يستحق المخاطرة في مواجهة وباء مُدمر.

واليوم، نحن نواجه فيروس «كوفيد 19» - الذي يُعد أحد مسببات الأمراض المميتة الأخرى التي تؤثر في الجميع بطريقة ما. من خلال «مشروع الثقة باللقاح»، نراقب شبكات التواصل الاجتماعي على الصعيد العالمي لفهم الأسئلة والمخاوف المُحتملة لدى الأشخاص بشأن اللقاحات المُضادة لفيروس «كوفيد 19»، فضلاً عن التجارب الناجحة لبناء الثقة.

الموضوع الأكثر شيوعاً - والذي تم ذكره بأكثر من 200 لغة - هو دعوة مُلحة لترك الجائحة وراءنا. تُعد اللقاحات أساسية لتحقيق هذا الهدف. ولكن بالنسبة لبعض الناس، فإن الرغبة وحدها لن تكون كافية لتحفيزهم على تلقي اللقاحات. سيحتاجون أولاً إلى الشعور بمزيد من الثقة.

ولذلك، على المستوى الفردي، يحتاج الأشخاص إلى طرح أسئلة حول لقاحات «كوفيد 19» من دون أن يُعامَلوا بإهمال واستخفاف والحصول على المعلومات والدعم اللازمين لاتخاذ قرارات مُستنيرة. يُعد الأطباء والممرضون من أكثر أعضاء المجتمع ثقةً، ولذا من المهم تخصيصهم الوقت للاستماع إلى مخاوف مرضاهم بطريقة تعاطفية. ولكنهم يحتاجون أيضاً إلى الحصول على أحدث المعلومات والإرشادات من أجل التواصل مع المرضى وتعزيز ثقتهم بلقاحات «كوفيد 19».

على المستوى السياسي، يتعين على الحكومات الاستثمار في مجال الاتصالات والمشاركة العامة على المدى الطويل والقصير لدعم عملية توزيع اللقاحات.

لا يتمثل الحل بتصحيح المعلومات حول اللقاحات فحسب، بل أيضاً في جعلها ذات صلة بأسئلة الناس، وبناء الثقة من خلال الرد بطرائق منطقية في سياق حياتهم اليومية. عند حدوث الأزمة التالية، بأخطار مختلفة، سيتذكر الناس كيف تم التعامل مع مخاوفهم في هذه الأزمة.

 

 

Email