الإعلام الغربي ومعاييره المزدوجة

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

واجب الصحفي هو الإعلام، وليس استغلال المعاناة الإنسانية من خلال تغطية متطفلة ومتلصصة مدفوعة بالتقييمات للمآسي في البلدان البعيدة. تعلو الصحافة الجيدة على التغطية المبتذلة والاعتماد على قيمة الصدمة. مع تحور الفيروس التاجي بسرعة وظهور سلالات جديدة خطيرة، نحن بحاجة ماسة إلى تقارير إخبارية متعاطفة ومسؤولة.

في الواقع، لا ينبغي اعتبار وسائل الإعلام الغربية على أنها أحادية النظام، نظراً إلى أنها تخضع لسيطرة المنافذ الأنجلو أمريكية. كما أن وسائل الإعلام الغربية لا تُعارض تقديم تغطية مُثيرة للأخبار السيئة عندما تحدث في الداخل، لكن النمط العام واضح للغاية: تميل التغطية الإعلامية الغربية للكوارث في بلدان أخرى إلى الإتجار بالصور النمطية الثقافية وانتهاكات الخصوصية والكرامة التي لن يتم قبولها في الغرب.

هذه المعايير المُزدوجة لها آثار مهمة، تتشكل المفاهيم الدولية من خلال كيفية عرض المنظمات الإعلامية الغربية المُهيمنة للأخبار، وكما أظهر وباء الإيبولا، فإن الصور والقصص المُثيرة تجعلنا نعتقد أن المأساة المُروعة أسوأ أو أكثر انتشاراً مما هي عليه في الواقع. اقتصرت حالات الإصابة والوفيات بالإيبولا تقريباً في ثلاث دول في غرب أفريقيا، ومع ذلك أصبح الفيروس مرتبطاً بأفريقيا ككل.

عند الإبلاغ عن أي مأساة جماعية، فإن القاعدة الأساسية للصحافة هي أن يكون الصحفيون متعاطفين مع الضحايا، وأولئك الذين يشعرون بالحزن، ويمرّون بالأزمة.

عادة ما تلتزم وسائل الإعلام الغربية، مثل وسائل الإعلام الدولية، بهذه القاعدة في مجتمعاتها، ولكنها تتجاهلها عند الإبلاغ عن الكوارث في المجتمعات غير الغربية.

تُعد تغطية الموجة الثانية المُدمرة من فيروس «كوفيد 19» في الهند أكبر مثال على ذلك. امتلأت وسائل الإعلام الغربية بصور الجثث وغيرها من المشاهد المُصورة، التي لم يتم عرضها عموماً في أعقاب كارثة مُماثلة في دولة غربية.

تم تسجيل نحو نصف معدل الوفيات المرتبطة بفيروس «كوفيد 19» العالمية في أوروبا والولايات المتحدة وحدهما، ومع ذلك، تجنبت وسائل الإعلام الغربية نشر صور مُروعة من تلك البلدان.

حتى في ذروة الوباء في الولايات المتحدة وأوروبا، لم يكن من المعقول أن تدخل أطقم التلفزيون إلى غرف الطوارئ، لإظهار مدى إرهاق الأطباء والممرضين، ومع ذلك، فقد تم بث مثل هذه المشاهد دولياً من داخل المستشفيات الهندية، مع القليل من القلق، بشأن كيفية تأثير الاقتحام والتطفل على قرارات الحياة أو الموت، كما يُطارد صحفيو التلفزيون العائلات الهندية، التي فقدت أحباءها، وحوّلوا حزنهم الخاص إلى مشهد عام للاستهلاك الغربي.

عند تغطية حالات الحزن في بلدانهم، تكون المؤسسات الإعلامية نفسها أكثر حرصاً. تُعد النار الجنائزية مجازاً كلاسيكياً في الروايات الغربية وقصص الرحلات واللوحات عن الهند.

من خلال توجيه كاميراتها إلى محارق الجثث، تعمل وسائل الإعلام الغربية على إرضاء هوس جمهورها بالتقاليد الهندوسية المُتمثلة في حرق الموتى. تم تجاهل حقيقة أن عرض الصور المروعة لمحارق الجثث هو غزو بشع وغير مُحترم للغاية، لما له شأن خاص للغاية في الهند، والذي تم تجاهله تماماً في هذه التغطية.

هذه ليست المرة الأولى، التي تكون فيها وسائل الإعلام الغربية غير متعاطفة في تغطية الكوارث في الخارج. خلال تغطية أحداث كارثة فوكوشيما عام 2011، تم التعامل مع الضحايا كما لو أنهم قضية ثانوية للقصة الأكثر وضوحاً لحادث التسرب الإشعاعي.

كانت التقارير الغربية أيضاً مليئة بالصور النمطية الثقافية والعنصرية: فقد أُطلق على العمال، الذين ظلوا في الخلف للتعامل مع المفاعلات النووية، التي تعرضت للحادث اسم «الساموراي النووي» و «التضحيات البشرية» و«النينجا النوويين في مهمة انتحارية».

في الواقع، لم تُسجل أي إصابات بسبب التسريبات الإشعاعية في فوكوشيما، بسبب الإخلاء الوقائي لسكان المنطقة البالغ عددهم 100.000 نسمة، ومع ذلك، لم يمنع هذا وسائل الإعلام الغربية من تغذية الهستيريا بمقارنات كاذبة وتحريضية مع كارثة تشيرنوبيل. ونتيجة لهذه التغطية المثيرة، بدأت سفن الشحن في تجنب الموانئ اليابانية - حتى تلك البعيدة عن فوكوشيما - وأجلت دول عدة مواطنيها من طوكيو ومدن أخرى.

تُقدم وسائل الإعلام الغربية نهجاً مماثلاً لأفريقيا، وتُصورها على أنها قارة حافلة بالقبائل الهمجية، والكوارث المُستمرة، وعدد قليل جداً من الوجوه السعيدة والمُبتسمة. تسبب وباء الإيبولا 2014 - 2016 الذي اجتاح غينيا وليبيريا وسيراليون في نهاية المطاف في مقتل 11.325 شخصاً، ما يعني أن عدد الوفيات على مدار عامين كان تقريباً عدد الوفيات الناجمة عن فيروس «كوفيد 19» نفسه في الولايات المتحدة خلال يومين قبل ثلاثة أشهر فقط.

ومع ذلك، كانت تغطية وسائل الإعلام الغربية لقصة الإيبولا تدور حول أكياس الجثث وممارسات الحداد التقليدية وطقوس الدفن في غرب أفريقيا. مُنحت جائزة بوليتزر لعام 2015 للتصوير الفوتوغرافي المُتميز لمُصور صحفي مُستقل قام بتعقب جامعي الجثث، ونشر تقرير عن معاناة وموت ويأس سكان غرب أفريقيا في صحيفة نيويورك تايمز.

ومن ناحية أخرى، لم تبرز تغطية جائحة «كوفيد 1» ـ أكبر كارثة صحية عالمية في عصرنا ـ في أي من جوائز أو ترشيحات بوليتزر لعام 2020. وعندما يتم الإعلان عن جوائز عام 2021 في يونيو المقبل، من غير المتوقع أن يتم منح أي منها للصحفيين الذين نشروا تقارير عن الوفيات الناجمة عن الجائحة في الغرب.

 

 

Email