نُظم سلوكية مستدامة تمنع تغير المناخ

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

إن مستويات المعيشة في البلدان الغنية تنذر بتغير مناخي كارثي ودمار بيئي محلي، لذا فإن اختيار المستهلك المسؤول يشكل أهمية بالغة أيضاً.

ينبغي لنا أن نُكثر من السفر باستخدام دراجاتنا، ونتناول كميات أقل من اللحوم الحمراء. ويتعين علينا أن نضمن في أقرب وقت ممكن التدفقات الهائلة من التمويل ــ من الحكومات والشركات والأفراد ــ اللازمة لوقف إزالة الغابات قبل فوات الأوان.

يقول بعض الناس إن تجنب خطر إلحاق أضرار كارثية برفاهة البشر من جراء الانحباس الحراري الكوكبي يستلزم العمل على تغيير سلوكنا بشكل جذري؛ التوقف عن السفر جواً، واستخدام الدراجات، والتخلي عن تناول اللحوم الحمراء.

ويعتقد آخرون أن التكنولوجيات الجديدة قادرة على تحقيق النمو الخالي من الكربون. ولكن مَن مِن الجانبين على حق: غريتا تونبرغ التي تدعم الاتجاه الأول، أو بِل غيتس الذي ألَّـفَ للتو كتاباً في مناصرة المسار الأخير؟

في الأمد البعيد، يبدو التفاؤل بالتكنولوجيا مبرراً. كما يصف تقريران جديدان صادران عن لجنة تحولات الطاقة، فإن الكهرباء الخالية من الكربون والهيدروجين، المصدرين اللذين يمثلان 20% فقط من استخدام الطاقة، من الممكن أن يمثلا 75% بحلول منتصف القرن، وسوف تكون الطاقة النظيفة بحلول ذلك الوقت أرخص من الطاقة غير النظيفة اليوم.

الواقع أن الكهرباء المولدة باستخدام الطاقة الشمسية تكلف الآن بالفعل أقل من الطاقة المولدة بإحراق الفحم؛ فقد هبطت تكاليف إنتاج البطاريات وسوف تستمر في الانخفاض. وفي غضون السنوات العشر المقبلة، ستنخفض بشدة أيضاً تكلفة إنتاج الهيدروجين بالتحليل الكهربائي.

سوف تنشأ الحاجة إلى زيادة هائلة في الإنتاج العالمي من الكهرباء، من 27 ألف تيراواط/ ‏‏‏ساعة اليوم إلى نحو 100 ألف تيراواط/‏‏‏ ساعة بحلول عام 2050. وسوف ترتفع سعة البطاريات الإجمالية إلى عنان السماء، كما ستنشأ الحاجة إلى استثمارات ضخمة في توسيع شبكات النقل والتوزيع.

لكن الموارد الطبيعية اللازمة لدعم هذه الكهرباء «الخضراء» متاحة بوفرة. فكل يوم، تزودنا الشمس بنحو 8000 ضعف الطاقة التي يحتاج إليها البشر جميعاً لمستوى معيشي مرتفع. وحتى لو استخدمنا الموارد الشمسية لإنتاج الـ 100 ألف تيراواط/‏‏‏ ساعة بالكامل (ولا شيء من طاقة الرياح)، فلن نحتاج إلا إلى تغطية نحو 1% فقط من اليابسة على كوكب الأرض بالألواح الشمسية.

لن نجد أيضاً أي نقص جوهري في المعادن الأساسية المطلوبة. يتطلب تشغيل ملياري سيارة كهربائية تعمل كل منها ببطارية 60 كيلوواط/‏‏‏ ساعة مخزوناً يبلغ 15 مليون طن من الليثيوم النقي، والذي بمجرد وضعه قيد الاستخدام يمكن إعادة تدويره إلى ما لا نهاية.

ويبلغ حجم موارد الليثيوم المعروفة اليوم نحو 80 مليون طن. والإمدادات من النيكل والنحاس والمنغنيز وفيرة أيضاً، في حين أدت المخاوف بشأن إمدادات الكوبالت إلى إطلاق العنان للتقدم التكنولوجي، الكفيل بتمكيننا من تصنيع بطاريات خالية تماماً من الكوبالت.

في كل شيء مرتبط بتحويل الفوتونات إلى إلكترونات والإلكترونات إلى ما يسميه علماء الفيزياء «شُـغل» (محركات دافعة) أو إلى حرارة (أو برودة)، لا توجد حدود كوكبية طويلة الأمد لمستويات معيشة البشر. بحلول عام 2060، سيكون بوسعنا الاستمتاع بالطيران، والتدفئة والتبريد، والنمو الاقتصادي، دون شعور بالذنب.

ولكن لسببين، ما زلنا نواجه كارثة محتملة، مع تضاؤل الفرصة للحد من الانحباس الحراري الكوكبي، بحيث لا يتجاوز على الإطلاق «حد الدرجتين المئويتين» الذي وعدت به اتفاقية باريس للمناخ، التي أبرمت عام 2015.

الأول أننا تسببنا بتقاعسنا في جعل التحرك متأخراً إلى حد باعث على اليأس. الواقع أن تحقيق هدف خفض الانبعاثات على هذا النطاق في غضون عشر سنوات فقط أصعب كثيراً من خفضها إلى الصِـفر بحلول منتصف القرن.

يكمن التهديد الثاني في أنظمتنا الغذائية وأنظمة استخدام الأراضي. التحدي الحقيقي ليس مقدار الطاقة التي نستهلكها في هيئة غذاء، بل مدى انعدام كفاءتنا في إنتاجه.

إن إنتاج الغذاء والألياف هو بكل تأكيد المحرك الرئيسي لإزالة الغابات الاستوائية. وإلى جانب انبعاثات غاز الميثان من حيوانات المزارع وانبعاثات أكسيد النيتروز من الأسمدة، تمثل إزالة الغابات 20% من كل انبعاثات غازات الانحباس الحراري الكوكبي وتهدد بخلق حلقات تغذية مرتدة تعمل على تسريع وتيرة الانحباس الحراري الكوكبي.

في الأمد البعيد، من المحتمل أن تحل التكنولوجيات الجديدة هذه المشكلة أيضاً. يتطلب إنتاج اللحوم التخليقية المنتجة باستخدام علم الأحياء الدقيق مساحة من الأرض أقل بنحو 10 إلى 25 مرة من الإنتاج الحيواني، وإذا أصبحت التقنيات التخليقية أكثر كفاءة، في حين ظلت الأبقار على المستوى ذاته من الكفاءة، فسوف تصبح تكلفتها أقل في النهاية. بحلول منتصف القرن، ربما يثبت أن غيتس كان على حق وأن تونبرغ كانت شديدة التشاؤم حتى في ما يرتبط بالغذاء واستخدام الأراضي. يعتمد كل الإنتاج في النهاية على المعرفة والطاقة، ولا توجد حدود للمعرفة البشرية ولا حدود للطاقة التي تمنحنا إياها الشمس مجاناً.

 
Email