نحو خطط مدروسة تردع التدهور الاقتصادي العالمي

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

فرضت جائحة كورونا الكثير من المتغيرات والتحديات الإضافية في مكون الاقتصادات العالمية وكذا المحلية الخاصة بكل دولة على حدة، ومن دون شك فإن هذه التحديات فرضت إجراءت وتطويرات نوعية. ولكنها أيضاً، تحديات ترتبط بمنظومة إشكالات ومسائل جوهرية سابقة على الواقع المستجد بفعل «كورونا».

فعلى سبيل المثال، تسعى إدارة الرئيس جو بايدن، كجزء من خطة البنية الأساسية الضخمة، إلى رفع معدل ضريبة الشركات في الولايات المتحدة من 21% إلى 28%، مع فرض ضريبة «حد أدنى» بنسبة 21% على الأرباح التي تكتسبها شركات أمريكية في الخارج. على حد تعبير وزيرة الخزانة جانيت يلين، يتلخص الهدف في وقف «سباق دولي إلى القاع» من خلال حمل البلدان الأخرى على تبني ضريبة حد أدنى مماثلة على الشركات.

إن هذا التوجه لو جرى تبنيه بشكل مدروس وذكي، سيفيد عملياً لكافة الدول بحيث يمنع أي تدهور اقتصادي خطر.. ولكن هذا أصبح فعلياً، لا يكفي في وقتنا الحالي في ظل المتغيرات الهائلة، إذ لا بد من جهود وتغييرات جذرية مضاعفة.

من المؤسف أن التدابير المقترحة مصممة لعصر سابق، عندما كان من السهل تحديد المصانع والمصافي، حيث تنتج الشركات وتكتسب أرباحها، وعندما كانت جنسية أي شركة تتحدد وفقاً لموقع عملياتها الرئيسية ومساهميها إلى حد كبير.

في العصر الحديث، تتولى شركات متعددة الجنسيات ذات قواعد مساهمين دولية تشغيل سلاسل التوريد العالمية، حيث تُـخـلَق القيمة باستخدام رأس مال غير ملموس وبدون موقع طبيعي. وعلى هذا فإن محاولة تعديل أي نظام ضريبي بناء على مكان إقامة الشركة وأين تجني أرباحها ترقى إلى محاولة الاستعاضة عن سباق إلى القاع بسباق إلى الماضي.

إذا تبنت الولايات المتحدة التدابير المقترحة لكنها فشلت في إقناع الآخرين بالموافقة، فإنها بذلك تثقل كاهلها بنظام ضريبي أقل قدرة على المنافسة. ولكن حتى إذا نجحت، فإنها ستصبح بذلك حبيسة نظام يتطلب تعديلاً مستمراً لمواكبة الحقائق الاقتصادية المتزايدة التباعد عن المفاهيم الأساسية التي يقوم عليها النظام.

ما يدعو إلى التفاؤل أن الأمر لا يخلو من بدائل أكثر انسجاماً مع حقائق الاقتصاد الحديث. الواقع أن السياسات التي جرى استنانها في الولايات المتحدة على مستوى الولايات في العقود الأخيرة كانت تتحرك بشكل مطرد نحو فرض الضريبة على الشركات بناء على موقع مبيعاتها.

ومن منظور مناطق الاختصاص هذه، أثبت التحول بعيداً عن الضرائب على أساس موقع كشوف الرواتب والأصول الملموسة كونه مفيداً للاستثمار وتشغيل العمالة. علاوة على ذلك، في حال اعتماد فرض الضريبة «على أساس الوجهة» على المستوى الوطني، فإن هذا من شأنه أن يحل مشكلة تحويل الأرباح الدولية التي تعتزم إصلاحات بايدن مواجهتها.

سيكون الإصلاح الأكثر حسماً فرض «ضريبة التدفق النقدي على أساس الوجهة». وهذا من شأنه، بين أمور أخرى، أن يعمل على توفير التحميل المباشر على المصروفات لكل الاستثمار، فضلاً عن إزالة الميزة الضريبية لاقتراض الشركات، وفرض تعديلات الضريبة الحدية لإلغاء الضرائب المفروضة على عائدات التصدير والخصومات الضريبية من تكاليف الاستيراد.

في النهاية، تُـفـرَض الضرائب على التدفقات النقدية المحلية فقط. ولأن المعاملات بين الشركات المحلية والأطراف الأجنبية ذات الصلة لن تفرض عليها ضريبة في الولايات المتحدة، فإن ممارسة تحويل الأرباح ستختفي.

علاوة على ذلك، ستعمل تعديلات الضريبة الحدية على نقل موضع الضريبة من محل إنتاج المنتجات إلى مكان بيعها. ولأن الإنتاج المحلي لن يفرض ضريبة إضافية على الشركات، فإن جاذبية أمريكا كموقع للاستثمار الـمولِد لفرص العمل ستتعزز.

وتتمثل فائدة إضافية رئيسية هنا في أن فوضى القواعد الضريبية المعقدة التي تهدف إلى منع الشركات من تحويل أرباحها وإنتاجها إلى الخارج سيصبح من الممكن إبطالها باعتبارها أدوات غير ضرورية من زمن ولّى، بدلاً من زيادتها بشكل أكبر بموجب خطة بايدن.

على نحو مماثل، عندما لا يَـفـرِض النظام الضريبي أعباء خاصة على الشركات الأمريكية، فإن جميع التدابير التي تهدف إلى منعها من نقل مقراتها إلى الخارج من أجل التهرب من الجنسية الأمريكية يصبح من الممكن اعتبارها ذِكرى من الماضي، بدلاً من التسبب في المزيد من الإرباك. ومن الواضح أن ربط المسؤولية الضريبية بالمعاملات فقط داخل الولايات المتحدة من شأنه أن يعفي دائرة الإيرادات الداخلية من عبء ملاحقة المعلومات حول عمليات الشركات الخارجية.

قد يتعرف القراء على «ضريبة التدفق النقدي على أساس الوجهة» من ظهورها في عام 2016، عندما اقترحها النائبان الجمهوريان بول ريان وكيفين برادي. في النهاية، لم يصل هذا المخطط إلى قانون التخفيضات الضريبية والوظائف لعام 2017، لإن إصرار رعاته على تبني إصلاح غير مألوف آنذاك بشكل فوري وعلى نطاق كامل استفز المعارضة من جانب جمهوريين آخرين.

علاوة على ذلك، كانت عداوة ترامب تجاه حلفاء أمريكا التقليديين سبباً في خلق علاقة خصومة حيث لا نجد محاولة تُـذكَر لشرح الأساس المنطق للإصلاح، ناهيك عن الدفع تجاه تبنيه في الخارج.

لكن إدارة بايدن، في ظل رغبتها المعلنة في التعاون الدولي والشراكة المحلية بين الحزبين، تتمتع بفرصة أفضل لتحقيق النجاح. باعتبارها ضريبة فَـعّـالة على أرباح الشركات، فإن ضريبة التدفق النقدي على أساس الوجهة لا تُـعَـد تصاعدية وحسب؛ بل هي في حقيقة الأمر أكثر تصاعدية من ضريبة الشركات الأمريكية الحالية، التي تجعل العمال الأمريكيين أقل إنتاجية من خلال تثبيط الاستثمار.

يجب أن تكون الضريبة الصريحة المباشرة التي توفر مصدراً مستداماً وتصاعدياً للإيرادات والحوافز للاستثمار المحلي وتشغيل العمالة (حتى في حال زيادة معدل الضريبة) جذابة في نظر كثيرين في الكونجرس الأمريكي، بصرف النظر عن توجهاتهم السياسية. ولابد أن يكون الاختيار بين ضريبة شركات حديثة والسباق إلى الماضي واضحاً.

 

 

Email