«أمريكا ستعود»..قراءة في جدوى توجهات بايدن

ميلفين ب. كروس - أستاذ فخري للاقتصاد بجامعة نيويورك.

ت + ت - الحجم الطبيعي

لقد حان الوقت لأن تتوافق سياسات الولايات المتحدة التجارية والخارجية مع وعد الرئيس جو بايدن بأن «أمريكا ستعود».

إن أمريكا التي يجب أن يرغب بايدن في إعادتها هي أمريكا ديناميكية، ومنفتحة على العالم، وليست أمريكا القلقة، التي كان يقودها ترامب، والمريبة والمزدرية للآخرين. وإلى أن يقدم بايدن لفتة جريئة لطرد روح ترامب من السياسة الخارجية للولايات المتحدة، من المرجح أن تخيب آماله في استعادة القيادة الأمريكية العالمية.

إذا كان حلفاء أمريكا يشعرون بالقلق إزاء ما صرح به الرئيس جو بايدن، في خطاب ألقاه أمام الكونغرس في 28 أبريل، بشأن السياسة الخارجية، فلهم كل الحق في أن يكونوا كذلك، إذ على الرغم من أن أجندة بايدن الاقتصادية المحلية تشبه إلى أقصى حد تلك التي اعتمدها ترامب، والتي تتمثل في فرض ضرائب أعلى على الأثرياء، وتوسيع كبير لنطاق شبكة الأمان الاجتماعي، لم تكن السياسة الخارجية التي أوضحها مختلفة تماماً عن عقيدة «أمريكا أولاً» القديمة، التي اتبعها سلفه.

عندما تحول بايدن إلى السياسة الخارجية، كان تركيزه على الصين والولايات المتحدة، كما لو أن أوروبا لم تكن موجودة، وأن الولايات المتحدة بوسعها أن تفوز بهذه المنافسة دون المشاركة النشطة للأوروبيين، وبالنسبة للآذان الأوروبية، يبدو هذا بالطبع قريباً جداً من سياسة ترامب الازدرائية، إذ لم يكن بوسع الولايات المتحدة أن تكسب الحرب الباردة من دون حلفائها الأوروبيين، ولن تتفوق على الصين بدون التعاون الأوروبي، ونقلت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، بأسلوبها اللطيف جداً، تلك الرسالة إلى بلدها قبل تولي بايدن منصبه مباشرة، من خلال دفع الاتحاد الأوروبي إلى التعجيل باتفاقية الاستثمار الشاملة بين الاتحاد الأوروبي والصين.

ويتَبع بايدن شكلاً من أشكال سياسة «أمريكا أولاً» حتى في الاستجابة لوباء فيروس «كورونا». إن رفضه إرسال لقاحات (كوفيد 19) إلى دول أوروبية مهمة في أمس الحاجة إليها، وتواجه انتخابات مهمة، جعل ادعاءه بأن «أمريكا عادت» مثيراً للكثير من الشكوك في العديد من العواصم الأوروبية.

ويواجه بايدن أيضاً مشكلة خطيرة عندما يتعلق الأمر بألمانيا وبوتين، فمشروع خط أنابيب (نورد ستريم 2) لاستيراد الغاز الروسي عبر بحر البلطيق، للتحايل على بولندا وأوكرانيا، هو انتصار استراتيجي محتمل لبوتين، ويهدد بإثارة الشك بشأن ألمانيا بين الدول الشرقية المجاورة لها.

إن لامبالاة ميركل العنيدة بالعواقب الجيوسياسية للمشروع محيرة للعقل، وفشل بايدن، حتى الآن، في البحث عن طرق للتخفيف من الضرر الذي من المحتمل أن يلحقه بالآخرين، يعني سوء التصرف في السياسة الخارجية.

وعلى ما يبدو، بايدن متأثر بالتفكير الحمائي، لذا فهو غير قادر على تصور نوع الصفقة التجارية، التي من شأنها أن تشجع الألمان على التراجع عن (نورد ستريم 2)، وبصيص الأمل الوحيد هو أن المشروع يُفهم الآن على أنه يشكل تهديدات بيئية خطيرة، وهو السبب في كون حزب الخضر الألماني، الذي يحتمل أن يكون صاحب النفوذ السياسي الأعظم، بعد انتخابات (البوندستاغ) هذا الخريف، يعارضه بشدة.

وهناك علامات أخرى مقلقة حول نصف العمر الطويل لسياسة ترامب في السياسة الخارجية للولايات المتحدة، إذ لم يرفع بايدن التعريفات، التي فرضها سلفه على واردات الاتحاد الأوروبي من الصلب والألومنيوم.

 

 

Email