بايدن وخطة إعادة التوازن الضريبي

دارون عاصم أوغلو

ت + ت - الحجم الطبيعي

تصدّرت خطط الإنفاق التي أقرها الرئيس الأمريكي جو بايدن عناوين الصحف في الفترة الأخيرة، وهي صدارة مستحقة؛ فقد تعيد حزمة الإغاثة وخطة البنية الأساسية اللتان قدمتهما الإدارة تشكيل دولة الرفاه في الولايات المتحدة من خلال تعزيز شبكة الأمان الاجتماعي وزيادة الإنفاق على وسائل النقل، واتصالات النطاق العريض، والتعليم.

ولكن في ظل احتمال بقاء الإنفاق الحكومي مرتفعاً بعد جائحة مرض فيروس كورونا (كوفيد - 19)، تصبح زيادة الإيرادات الضريبية واجبة، لأن الاقتراض الإضافي غير قادر على تمويل المزيد من الإنفاق. ومن ثـمَّ، اقترحت إدارة بايدن خطة ضرائب صُـنِـع في أمريكا، الشاملة بالقدر ذاته، والتي من شأنها أن تعمل على زيادة حصة الشركات في الإيرادات الضريبية.

الواقع أن زيادة المعدل الضريبي المفروض على الشركات هو الخيار الأفضل. في العقد الأول بعد الحرب العالمية الثانية، شكلت الضرائب على الدخول الفردية وإيصالات التأمين نحو 50 % من عائدات الضرائب الفيدرالية، في حين شكلت ضرائب الشركات 30 % أخرى. ولكن منذ ذلك الحين، ازدادت الفئة الأولى بشكل مضطرد، لتصل إلى نحو 85 % من إجمالي عائدات الضرائب الفيدرالية، بينما انخفضت حصة الشركات إلى ما دون 10 %.

هذه المعدلات الهامشية هي التي توجه قرارات الاستثمار في الشركات. وفي ظل البنية الضريبية الحالية في الولايات المتحدة، تحظى الشركات بحوافز أقوى كثيراً تدفعها إلى ملاحقة الأتمتة المفرطة بدلاً من توظيف العمال وتدريبهم وإعطائهم الأجر اللائق. ولكن الأتمتة ليست المسار التكنولوجي الوحيد المتاح للشركات في الولايات المتحدة.

لذا، يُـعَـد وعد بايدن بزيادة معدل ضريبة الشركات الرئيس من 21 % إلى 28 % خطوة مهمة، ولكنها غير كافية في حد ذاتها. فهل لن تضمن تكافؤ الفرص بين رأس المال والعمالة، ولن تمنع الشركات التي تتخذ من الولايات المتحدة مقراً لها من الانخراط في «انقلابات ضريبية» للفرار إلى سلطات اختصاص أخرى أو من تحويل أرباحها إلى شركات تابعة أجنبية؟ كانت أرباح الشركات الطليقة عاملاً رئيساً في الخفض طويل الأجل لمعدلات الضريبة على رأس المال والشركات. لحسن الحظ، تتضمن خطة بايدن ركيزة ثانية لمعالجة هذه المشكلة على وجه التحديد: الحد الأدنى لضريبة شركات عالمية.

الواقع أن هذه الفكرة بسيطة نظرياً. في ظل ظروف مثالية، تُـرفَـع معدلات الضريبة بشكل كبير في أيرلندا، ولوكسمبورج، وسويسرا، وبنما، وجزر فيرجن البريطانية، وغير ذلك من الولايات القضائية التي تسمح للشركات بالتهرب من التزاماتها من خلال «المراجحة». إذا لم يكن الأمر كذلك، فإن الشركة التي يقع مقرها في الولايات المتحدة وتخضع لمعدل الحد الأدنى لضريبة الشركات (21 %) والتي تُـبـلِـغ عن جميع أرباحها في أيرلندا حيث معدل الضريبة على الشركات 12.5 %، سيفرض عليها ضريبة أمريكية إضافية تعادل 8.5 % من أرباحها. بطبيعة الحال، سيكون تنفيذ هذه السياسة أشد تعقيداً في الممارسة العملية. يجب أن تكون الضرائب الأكبر على الشركات مصحوبة بتدابير أخرى لتشجيع الاستثمار والابتكار. بالإضافة إلى دعم البحث والتطوير، تستطيع الدولة أن تفعل المزيد للمساعدة على زيادة المعروض من المهندسين المدربين جيداً، والعلماء، والعمال المهرة، وتسهيل نشر المعرفة والدراية التكنولوجية.

في وجود ساحة لعب أكثر تكافؤاً بين رأس المال والعمالة، يصبح من الممكن حث الشركات على تطوير واعتماد تكنولوجيات جديدة تعمل على زيادة إنتاجية العامل، بدلاً من الاستمرار في اتجاه الأتمتة المفرطة. وسوف يكون العمل لإنهاء هيمنة قِـلة من الشركات في قطاع التكنولوجيا جزءاً لا يتجزأ من هذا الجهد.

لن يحل النظام الضريبي الأكثر عدلاً كل مشكلات أمريكا الاقتصادية بمفرده. ولكنه سيشكل خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح، وسوف يساعد العمال والاقتصاد في حين يعمل أيضاً على منع الارتفاع المقلق في مستويات الديون الفيدرالية.

* أستاذ الاقتصاد في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا.

opinion@albayan.ae

Email