الاستراتيجية الصينية الجديدة

مارك ليونارد - مؤسس مشارك ومدير المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية.

ت + ت - الحجم الطبيعي

منذ بضعة أشهر، تواصلت السلطات الصينية مع بعض أكبر الشركات الأجنبية في البلاد، وطلبت من كل منها تفويض ممثل للمشاركة في اجتماع صغير مغلق، حول استراتيجية الصين الاقتصادية الجديدة. وكان من المقرر أن يُعقد الاجتماع مع مسؤول كبير، في وقت ومكان غير معروفين، ووفقاً لشخصين على دراية مباشرة بالموضوع، أصرَّا على عدم كشف هويتهما كشرط لمناقشته، فقد طُلب من الشركات أن تتبع إجراءات، شكلاً ومضموناً، تمنح اقتصادها مزيداً من الملامح الصينية، وأن تطور تقنياتها ومصادر طاقتها بنفسها، مع الاعتماد على الاستهلاك المحلي، بدلاً من الطلب الخارجي.

تركز استراتيجية الرئيس الصيني شي جين بينج الجديدة، على مفهوم «التداول المزدوج». والحق أن هذا التعبير التقني، يخفي وراءه فكرة من شأنها أن تغير النظام الاقتصادي العالمي بكامله.

يتمثل الغرض من التداول المزدوج، في جعل الصين أكثر اعتماداً على الذات. فبعد بناء تنمية الصين في السابق على أساس النمو الذي تقوده الصادرات، يحاول صانعو السياسة، تنويع سلاسل التوريد في البلاد، حتى يتسنى لها الوصول إلى التكنولوجيا والمعرفة، دون التعرض للمضايقة من قبل الولايات المتحدة. وفي هذا الصدد، ستسعى الصين أيضاً إلى زيادة اعتماد الدول الأخرى عليها، وبذلك تحول روابطها الاقتصادية الخارجية إلى قوة سياسية عالمية.

يثير التحول إلى استراتيجية التداول المزدوج، مخاوف بشأن حدوث «صدمة صينية» جديدة. واستغرقت الطبقة السياسية في الغرب وقتاً طويلاً كي تستفيق على صدمة الصين، لأنها التزمت باستراتيجية قوامها «المشاركة المتبادلة»، حيث يستفيد المستهلكون الغربيون من الواردات الصينية المنخفضة التكلفة، وتستفيد الشركات الغربية من النمو الاقتصادي الصيني، باستغلال سوقها الضخم. وكان من المفترض أن تضغط هذه الديناميات على الصين لفتح أسواقها ومجتمعها بشكل أكبر. لكن هذا الافتراض لم يتحقق.

الواقع أن تأثير الصدمة الصينية الجديدة في الغرب، سيختلف اختلافاً جوهرياً عن تأثير الصدمة الأولى. بادئ ذي بدء، ستؤثر استراتيجية التداول المزدوج في أجزاء مختلفة من الاقتصاد والمجتمع. وبدلاً من تعريض الصناعات القديمة للخطر، يتمثل هدف الصين في السيطرة على قطاعات رائدة، والتنافس مع الشركات القانونية والمالية في مدينة لندن، وشركات صناعة السيارات في بادن فورتمبيرغ، وشركات التكنولوجيا الحيوية في السويد.

يتمثل أحد الآثار المترتبة على الصدمة الصينية الجديدة، في أن القواعد الجديدة بشأن البيانات والبحث والتطوير والمعايير، من شأنها أن تجبر شركات غربية بارزة على اكتساب ملامح صينية، ما لم تنسحب من الصين تماماً.

وكما أخبرني أحد المراقبين المتميزين في مجال القطاع الخاص، فإن «رؤية الصين تتلخص في أنه في حال أرادت شركات مثل دايملر أو فولكس فاغن أن تعمل في الصين، فسيتعين عليها نقل الخدمات، وأنشطة البحث والتطوير، والمنتجات الجديدة إلى هناك. وتأمل بكين أن يُحول التداول المزدوج هذه الشركات إلى شركات صينية».

غني عن القول إن الاستراتيجية الصينية الجديدة، تتطلب مجموعة مختلفة من الاستجابات، مقارنة بالصدمة السابقة. فبدلاً من محاولة تغيير الصين، أو شق طرق إلى داخل السوق الصينية، ينبغي أن تتمثل أولوية الغرب في تغيير ذاته. ولكي تضمن وصول شركاتها الوطنية الكبرى إلى اقتصادات الحجم الكبير، ينبغي للدول الغربية أن تضع معايير مشتركة في ما يتعلق بالخصوصية، وحماية البيانات، وتسعير الكربون، وغير ذلك من القضايا.

من جانبهم، يحتاج الأوروبيون إلى تفعيل إصلاحات محلية لحماية أنفسهم ضد الإكراه الاقتصادي، في عالم تسوده العولمة المُسوَّرة، واستخدام الاعتماد المتبادل كسلاح.

 

 

Email